[مرّت في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول ذكرى افتتاح خط السكّة الحديدية الواصلة بين المدينتين حيفا ودرعا في العام 1904. كانت انطلاقة هذا الخط في عهد الدولة العثمانية جزءاً من مشروعها الحداثي لتعزيز سلطتها عبر ربط المناطق الاستراتيجية في هذا الشق من امبراطوريتها المتداعية حينذاك. حمل القطار معه تغييرات حياتية اجتماعية واقتصادية وسياسية شتى إلى المدن والقرى التي مر بها وساهم في تطورها وتطور أهلها. إلا أنه، كما هو الحال في بقاع أخرى، كان أداة وظفها الاستعمار لبسط سيطرته ونفوذه في الأراضي التي احتلها. ولم تكن أرضنا استثناء في حقبة الاستعمار البريطاني في فلسطين والاستعمار الصهيوني الذي واكبه وأعقبه، كما يبيّن المقطع التالي من كتاب "الخط الحديدي الحجازي/ تاريخ وتطور قطار درعا – حيفا" للمؤرخ الفلسطيني جوني منصور، والصادر عن مؤسسة الدراسات المقدسية (2008). وإن كان هذا التاريخ يحمل نقائضه وأنقاضه فهو يحمل لنا كذلك صورة عن حقبة تاريخية، متوارية الآن خلف حدود وواقع سياسي دمرا هاتين المدينتين العريقتين والمحطات التي وصلت بينها، نستعرضها في محاولة لترميم ذاكرة علاها غبار كثيف منذ ذلك اليوم من العام 1904]
بلغ عدد محطات الخط الحديدي درعا ـ حيفا 13 محطة حتى الحرب العالمية الأولى (1). ولكن تغييرات وتحولات حصلت على طول هذا الخط خلال فترة الانتداب البريطاني، وفي الأخص زيادة عدد محطات الخط.بلغت هذه الزيادة المتواصلة أوجها في الأربعينيات في أعقاب الزيادة في عدد المستوطنات اليهودية التي أُقيمت بمحاذاة الخط أو في مناطق قريبة منه في مرج ابن عامر وغور الأردن الشمالي بين بيسان غرباً ومصب بحيرة طبريا شرقاً.
وقد شهدت منطقة مرج ابن عامر حركة استيطانية يهودية نشطة جداً في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين. فأراضي المرج تحولت لملكية الـ”كيرن قييمت“ [الصندوق القومي اليهودي] في أعقاب صفقات شراء الأراضي المتعاقبة التي نفذتها الوكالة اليهودية ومؤسساتها الفاعلة في هذا الميدان. ومع ازدياد حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين في أعقاب صعود النازية إلى الحكم في المانيا بقيادة هتلر، وأيضاً نتيجة لتوالي جرائم هذا النظام في أوروبا تمَّ توجيه المهاجرين اليهود إلى فلسطين في أعداد كبيرة بدلاً من توجيههم إلى الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية الغربية. ووصلت مجموعات من هؤلاء المهاجرين إلى فلسطين بإذن من السلطات الانتدابية البريطانية وبعضهم دخل إلى فلسطين بصورة غير شرعية. وعملت المؤسسات الصهيونية على إقامة عدد كبير من المستوطنات في أراضي مرج ابن عامر لاستيعاب مهاجرين يهود ليعملوا في ميادين الزراعة والرعاية، وبالتالي يؤدون رسالة الصهيونية المركزية ألا وهي ”إنقاذ الأرض“.واستفادت هذه المستوطنات من الخط الحديدي الواصل بين درعا ومدينة حيفا على الساحل الفلسطيني للبحر الأبيض المتوسط. (راجع الفصل الخاص عن مكاسب الاستيطان اليهودي من هذا الخط).
وكونت مدينة حيفا منفذًا بحريًا هامًا للغاية بالنسبة للحركة الاستيطانية اليهودية ليس فقط في مناطق المرج، إنما لكافة مناطق الجزء الشمالي من فلسطين. من جهة أخرى، فإن تطور حيفا الصناعي والتجاري والإداري والسياحي ساهم في جعل مستوطنات مرج ابن عامر مصدرًا لتزويد هذه المدينة بما تحتاج إليه من مواد غذائية ومنتجات زراعية وغيرها(2). وبالتالي فإن وجود الخط الحديدي المشار إليه كان عبارة عن مساهمة مركزية لتسهيل نقل هذه المواد والمحاصيل من المستوطنات إلى مدينة حيفا. لهذا أخذ عدد محطات القطار على طول الخط بالازدياد عند مداخل المستوطنات اليهودية أو بالقرب منها. بينما، وهذا ملاحظ بوضوح، لم تتمتع قرى عربية باقية في مرج ابن عامر أو خارجه من هذا الخط ومساهمته. وعلينا الإشارة هنا إلى أن عددًا كبيرًا من قرى المرج قد تم تدميرها أو ترحيل سكانها عنها بذريعة ملكية الوكالة اليهودية لأراضي المرج بما فيها الأراضي المقامة عليها هذه القرى. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الخط في أساسه، أي عند مده في مطلع القرن العشرين أثناء الحكم التركي على فلسطين، لم يمر في قرى عربية أو بالقرب منها إلا بما تقتضيه حاجة القطار إلى المياه لتزويد خزاناته.
لقد كان اهتمام مهندسي ومصممي الخط ومحطاته توفر المياه (آبار وينابيع) في مواقع محددة على طول الخط لتزويد خزّانات القطارات بما تحتاج إليه من كميات المياه لتسييرها، وكذلك كان الهم المركزي للسلطات التركية ربط الخط بالمدينة الساحلية "حيفا" ليكون له ـ أي للخط ـ منفذًا إلى البحر الأبيض المتوسط.لهذا رأينا من المناسب ذكر محطات القطار على طول الخط، ما بقي منها وما اندثر عبر الزمن، لتعريف القارئ على تطور الخط ومساهمته في تطوير مناطق ومواقع معينة في فلسطين، خاصة المناطق التي نجحت فيها الحركة الاستيطانية من إقامة مستوطنات بصورة مكثفة، وعلى وجه الخصوص في مرج ابن عامر وغور بيسان.
انطلاقتنا من مدينة حيفا باتجاه درعا (آخر محطة للقطار في جزئه الفلسطيني هي في قرية سمخ).
محطة حيفا الشرقية (وتعرف بـ "محطة سكة الحجاز")
اعتبرت هذه المحطة الأكبر بين محطات القطارات في فلسطين. تم تشييد مبنى المحطة اعتمادًا على تصاميم ألمانية. وتكون المبنى من جناحين يفصل بينهما برج ثُبتت في أعلاه ساعة. وانهار الجناح الشرقي من هذا المبنى نتيجة عملية تخريبية نفذتها عصابة الايتسيل في 20 أيلول 1946. قاد هذه العملية يوئيل كمحي مستخدمًا برميلًا حوى أكثر من 100 كغم متفجرات.
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن إدارة مصلحة القطارات قد استلمت إنذارًا هاتفيًا مسبقًا يخبرها بهذه العملية، فقامت بإخلاء المباني من الموظفين والعمال والمسافرين. ما تبقى من المبنى هو جناحه الغربي بدون برج الساعة الذي انهار في العملية المشار إليها سالفاً. ويستخدم المبنى الحالي (المتبقي) مكاتب إدارة مصلحة القطارات في حيفا.
عند افتتاح المحطة في العام 1905 استخدم المبنى بأكمله لمكاتب إدارة ودوائر صيانة المحطة. وتم الاحتفال بافتتاح المحطة بحضور مسؤولي وكبار موظفي الحكومة التركية والبلدية. وأزيلت الستارة عن النصب التذكاري عند مدخل المحطة ويحمل كتابات فيها مديح وتقريظ للسلطان عبد الحميد الثاني، هذا ما جاء فيها:
”بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
إنّ سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين وخليفة سيد المُرسلين سلطان البرّين وخاقان البحرين السلطان ابن السلطان والسلطان الغازي عبد الحميد خان ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان أيّد الله مُلكَهُ وأطالَ حياتهُ وعُمرهُ قد أمر أن يُنشأ من دمشق الشام سكة حديدية تُسهّلُ على أمّةِ محمد صلعم الحج إلى بيت الله ومرغِ الجباه على روضة رسول الله صلعم ثم صدر أمره المُعظّم أدامَ الله مُلكهُ المفخّم أن تمُرّ سكة حديدية من مدينة حيفا تتصل بالسكة الحديدية الحجازية، فعلى كل مسلم حجَّ بيت الله وأمَّ روضة رسول الله أن يبتهلَ إليه عزَّ شأنه أن يؤيد خلافتَهُ الكبرى وأن يرفع على هام العالمين يده العليا. حُرِّر سنة 1319 هـ“
وكذلك نقشت شارات السلطنة العثمانية والطغراء السلطانية وقاطرة بخارية. وأُحيط النصب التذكاري بجدار حديدي مزخرف فيه أشكال القاطرات من صنع ”داعوق وعرداتي“ من بيروت. ورفعت أربعة أعمدة معدنية حوالي النصب حملت مصابيح كازية {كيروسين}، كانت تضاء ليلاً على يد عامل خُصص لهذه الغاية. وصمم النصب التذكاري على يد المصمم الايطالي رايموندو دارونكو(3). وانتشرت في المنطقة المحاذية للمحطة مخازن وعنابر كبيرة ومحلات تجارية متنوعة. وشهدت المنطقة حركة تجارية نشطة للغاية، إضافة إلى أن أحياء جديدة أُنشئت إلى جوار المحطة، من أشهرها حي وادي الصليب وحي الرمل وحي الحليصا.
أما اليوم ففقدت هذه المحطة من دورها وأهميتها بعد أن توقف الخط عن العمل في العام 1948. وتم تحويل المباني المتبقية إلى مخازن أو مكاتب لإدارة بعض الأمور المتعلقة بالقطارات. وأنشأ في أحد مباني المحطة متحف القطار. ومن محتوياته: قاطرات وعربات وبعض الأجهزة المساعدة في تشغيل القطارات، إضافة إلى مجموعة من الصور والوثائق القديمة التي لها علاقة بتاريخ وتطور ودور خط درعا ـ حيفا خلال الفترتين التركية والانتدابية البريطانية.
محطة كيلومتر 4.5
تعود التسمية إلى البعد عن محطة حيفا الشرقية (محطة سكة الحجاز) باتجاه الشرق بما يعادل 4.5 كيلومتر. يمر الخط الحديدي من محطة حيفا الشرقية حتى مفترق عين السعادة (المعروف بـ"تشيك بوست") حيث يُلاحظ تفرّع للخط بالقرب من جسر "الشل"(Shell) باتجاه عكا. أما الخط ذاته فيتابع سيره نحو قرية بلد الشيخ. ووجدت في فترة الانتداب البريطاني عدّة مبان عند هذه المحطة استخدمت مخازن وعنابر للجيش البريطاني. وكان القطار يقف عند هذه المحطة لتفريغ البضائع الخاصة بالجيش، إضافة إلى نقل جنود وموظفين عاملين في هذه المخازن.
محطة بلد الشيخ(4)
تم افتتاح هذه المحطة في العام 1913 ويتفرع منها خط حديدي باتجاه مدينة عكا. وكان مايسنر باشا قد أمر بفك هذا الخط الفرعي خلال الحرب العالمية الأولى (بلغ طوله حوالي 18 كم) لاستخدامه في مد خط حديدي في شبه جزيرة سيناء. ولكن سلطات الانتداب البريطاني قامت بعد انتهاء الحرب المذكورة، وتحديدًا في العام 1921، بمده من جديد بمقياس عرض 105 سم (وهو عرض الخط الحديدي الحجازي لملائمته مع الخط القائم أصلًا).
محطة "نيشر"
تم إقامة هذه المحطة في العام 1925 إلى الشرق من مصنع الاسمنت "نيشر" بعرض عادي 143.5 سم على الخط الضيق القائم 105سم. معنى ذلك أن إدارة القطارات الفلسطينية الانتدابية مدّت خطًا ثالثًا إلى جانب أحد خطي الخط الضيّق لتتمكن القطارات ذات العرض العادي من التحرك عليها ونقل احتياجات المصنع ومنتجاته.
محطة الياجور(5)
يتابع القطار سيره من مصنع الاسمنت "نيشر" باتجاه الشرق عابرًا حقولًا واسعة تابعة لكيبوتس الياجور. تكونت المحطة من ثلاثة غرف تستعمل اليوم مخازن للمستوطنة. واستعمل أعضاء هذه المستوطنة القطار لنقل منتجاتهم إلى حيفا يوميًا. وكان هذا أحد عوامل الزيادة في الإنتاج الزراعي ومرافقه المتنوعة ثم تطورت المرافق الصناعية في هذه المستوطنة والتي تعتبر من المستوطنات الأكثر ثراء بين المستوطنات اليهودية.
محطة جسر الجلمة
يصل الخط إلى مفترق الجلمة حيث تم بناء جسر ذي ستة أقواس حجرية جميلة. هناك اعتقاد أن هذا الجسر قد شيدته شركة "بيلينغ" الانجليزية في العام 1893. [...]
محطة الروي
هي عبارة عن مبان بسيطة شيدت في فترة الانتداب البريطاني في أعقاب تأسيس المستوطنة اليهودية "الروي" (6). وبُنيت المحطة والمحطة التي تليها بعد سلسلة من الضغوط التي مارستها الوكالة اليهودية والقيرن قييمت على السلطات الانتدابية البريطانية.
محطة كريات حروشت (7)
تبعد هذه المحطة عن سابقتها بحوالي كيلومتر واحد. وتم تشييدها في فترة الانتداب البريطاني نتيجة للضغوط التي مارستها الهيئات اليهودية، كما أشرنا سابقًا. واستفاد من هذه المحطة العاملون في المصانع والورشات في المنطقة.
محطة تل الشمام
تبعد هذه المحطة 21.8 كم عن حيفا. وتم تشييدها في العام 1904 أثناء مد الخط من حيفا إلى سمخ ثم إلى درعا في سوريا. وتم تحديد موقع المحطة على يد مايسنر باشا وطواقم مهندسيه وأخصائيه لوفرة المياه في المنطقة بحيث يتم تزويد خزانات القاطرات بالكمية المطلوبة من المياه استعدادًا لمتابعة السير على طول الخط الحديدي.
وتم إنشاء مستوطنة يهودية على أراضي قرية تل الشمام في العام 1927 دُعيت "كفار يهوشع"، على اسم يهوشع حانكين من كبار موظفي الوكالة اليهودية والذي انصب اهتمامه على شراء أراضي المرج وعقد صفقات الشراء مع آل سرسق والسلطات الحكومية البريطانية.وتقدم مستوطنو كفار يهوشع، بدعم من الوكالة اليهودية، بطلب استبدال اسم المحطة من "تل الشمام" إلى محطة "كفار يهوشع"، إلاّ أن إدارة الانتداب رفضت هذا الطلب، مع أن المستوطنين اليهود ألغوا الاسم الأصلي في استعمالاتهم اليومية وتبنوا اسم المستوطنة ليكون اسمًا للمحطة. [...]
اعتبرت هذه المحطة إحدى أهم المحطات بعد حيفا على طول الخط إلى سمخ.وتم في نهاية التسعينات من القرن الماضي ترميم مباني المحطة وتحويلها إلى متحف فيه محتويات تتعلق بالقطارات وتاريخها ودورها. والمتحف تحت رعاية إدارة المستوطنة. وهو مفتوح للجمهور طيلة أيام السنة.
محطة تل باروخ
أُقيمت محطة تل باروخ بعد تأسيس المستوطنة في العام 1926. حملت هذه المحطة اسم "باروخ كهانا" من صهيونيي رومانيا الذي ساهم في عدة نشاطات استيطانية في فلسطين.كانت المحطة عبارة عن مبنى خشبي لإيواء المسافرين فقط. ولم يبق منها أثر.
محطة العفولة
كانت في المنطقة المجاورة للمحطة قرية عربية فلسطينية صغيرة عُرفت بـ "الفولة". وكان لإنشاء محطة القطار في العفولة مساهمة كبيرة جدًا في تطوير مستوطنة العفولة. إذ تحولت المحطة مع الزمن إلى مفترق طرق حديدي هام للغاية. من هذه المحطة تفرع خط إلى جنين ونابلس. تم مد الخط بين العامين 1913 و 1914. وكذلك تفرعت من هذه المحطة طرق برية باتجاه بيسان وأخرى باتجاه الناصرة. وأقام الجيش التركي في منطقة العفولة معسكرات مشتركة مع حليفه الجيش الالماني خلال الحرب العالمية الأولى.
وشهدت مستوطنة العفولة تطورًا كبيرًا مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث ساهمت محطة القطار في وصول أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إلى العفولة ذاتها وإلى بقية المستوطنات التي أُقيمت إلى جوارها أو في مناطق مختلفة من مرج ابن عامر. وسرعان ما تحولت العفولة إلى بلدة خدمات للمستوطنات اليهودية المحيطة بها. وأصبحت المحطة مركزًا لمدينة العفولة، وأُقيمت إلى جانبها محال تجارية ومحطة باصات ومكتب بريد تم افتتاحه في العام 1922 لخدمة المستوطنين اليهود في مستوطنات المنطقة. أما قرية العفولة فتم شراؤها مع أراضيها في العام 1925، وشكلت إضافة مركزية لمستوطنة العفولة. [...]
محطة كفار يحزقئيل(8)
كان موقع هذه المحطة مقابل مدخل مستوطنة كفار يحزقئيل، واحتوت على مبنيين خشبيين تعرضا لحريق هائل أتى عليهما. وأُقيم بدلا منهما مبنيين من حجر.عُرفت هذه المحطة بـ "محطة قطار عين حارود" لقربها من مستوطنة عين حارود (كيبوتس عين حارود المُقام على أراضي عين جالوث التاريخية)، واستبدل الاسم إلى ”جيفاع“ ثم إلى كفار يحزقئيل.ومرة أخرى أثبت هذا الخط مدى فائدته في تطوير المستوطنة المذكورة من النواحي العمرانية (أُحضرت مواد البناء والمستلزمات التابعة بواسطة القطار) والاقتصادية في ميادين متنوعة.
محطة تل يوسف(9)
يعبر القطار في طريقه من المحطة السابقة "كفار يحزقئيل" إلى محطة تل يوسف فوق جسر ذي ثلاثة أقواس. لعبت هذه المحطة دورًا مركزيًا وأساسيًا في تطوير مستوطنات عين حارود (10)وتل يوسف بعد انتقالها إلى مواقعها الحالية. ولهذا، يُلاحظ أن هذه المستوطنات وغيرها على طول الخط الحديدي ذاته قد نالت نصيبًا كبيرًا في تطوير قدراتها الاقتصادية في كافة المجالات.
محطة شطّة
هذه المحطة عبارة عن مبنى واحد ذي طابقين تحيط به كروم الزيتون. وتقع المحطة اليوم داخل سجن شطة. ويستعمل المبنى منجرة للسجن. ورغم تعرض المنطقة في فصل الشتاء إلى فيضانات مفاجئة إلاّ أن المحطة والخطوط الحديدية لم يتأذّيا وواصلت حركة القطارات سيرها كالمعتاد، ما يدل على دقة التصميم والهندسة البارعة ومد الخطوط المحكمة على يد مايسنر باشا وطواقمه. وأقيمت بالقرب من هذه المحطة مستوطنة "بيت هشيطا"(11).
محطة هساديه
قدّمت هذه المحطة خدمات لسكان المستوطنة "هساديه" والتي تُعرف اليوم بـ "ساديه ناحوم"(12). لم يتم بناء مبنى للمحطة، سوى لافتة حملت اسم الموقع توقف عندها القطار لنزول وصعود المسافرين. ووفرت المحطة فرصًا لتطور المستوطنة المذكورة أعلاه.
محطة بيسان
تقع هذه المحطة على بعد 59.2 كم عن محطة القطار الشرقية في حيفا. وموقعها عند المدخل الشمالي لمدينة بيسان. شكلت هذه المدينة "بيسان" موقعا مركزيًا وأساسيًا ضمن شبكة محطات الخط الحديدي درعا ـ حيفا.
وكان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قد نقل أراضي بيسان إلى ملكيته المباشرة وعُرفت بأراضي "الجفتلك". وحاول موظفو وخبراء السلطان إصلاح هذه الأراضي من خلال تقديم تخفيضات ضريبية للسكان وإعفاءات من الخدمة العسكرية لمزارعي المنطقة والسبب الذي دفع هذا السلطان إلى اتخاذ هذه الخطوات عدم نجاح فلاحي منطقة بيسان في استغلال كميات المياه في أراضيهم.
واعتقد السلطان أن مشروع مد سكة الحديد من درعا إلى حيفا مرورا في بيسان سيساهم في تطوير هذه المدينة اقتصاديًا. لهذا تم تشييد محطة كبيرة في بيسان. إلاّ أن مشاريع وخطوات السلطان عبد الحميد الثاني لم تؤت أُكلها، فبقيت المنطقة فارغة وشبه خالية من السكان أو التطور الزراعي إلى حين قدوم الحركة الاستيطانية اليهودية التي ساهمت في تطوير مستوطناتها وتحسين الأراضي التي تملكتها وجعلها مناسبة لزراعة محاصيل خاصة بتربة ومناخ المنطقة.المحطة ذاتها موجودة على "طريق البحر" الواصل بين مجيدو (تل المتسلم) وبين غور الاردن. ومقابل المحطة كان الخان الأحمر المملوكي(13). لهذا فإن موقع المحطة مركزي وهام واستراتيجي للغاية.
حمادية
محطة أنشئت في الأربعينيات من القرن الماضي. خدمت كيبوتس حماديا(14).
محطة بيت يوسف(15)
يواصل القطار سيره من منخفض 110 م تحت سطح البحر إلى منخفض 200 م تحت سطح البحر. وواجه القطار في بداياته صعوبات جمّة في التحرُك، مما دفع المسافرين إلى النزول منه ودفعه صعودًا!ولم يبق من هذه المحطة أي مبنى، ولكن الاعتقاد أنها كانت إلى جانب مزرعة شموئيل اليوم (مستوطنة يهودية). وساهمت المحطة في تطوير المستوطنة بالطريقة ذاتها التي استفادت منها بقية المستوطنات اليهودية في المنطقة أو على طول الخط الحديدي.
محطة جسر المجامع
المحطة السادسة من بين المحطات الأصلية في هذا الخط. ينتقل القطار من المحطة السابقة عند جسر ذي خمسة أقواس باتجاه مستوطنة "جيشر". تقع هذه المحطة على بعد 76.5 كم عن مدينة حيفا. واعتبرت هذه المحطة الأكثر انخفاضًا في العالم، إذ أنها بنيت على منخفض بلغ 246م تحت مستوى سطح البحر. وتم تشييد مبنى خاص لحجز الحيوانات المستوردة أو القادمة من سوريا إلى فلسطين. واستفادت مستوطنة "مناحميا"(16)من هذه المحطة لتطوير مرافقها ومنشآتها المتنوعة.وقام الجيش الاسرائيلي بهدم مباني المحطة اعتقادًا من قيادته أنها بهذه الخطوة تحولُ دون وصول الفدائيين إليها للاختباء في مبانيها استعدادًا لقيامهم بعمليات فدائية ضد مواقع اسرائيلية.
أمّا جسر المجامع ذاته فهو عبارة عن عدّة جسور: جسر الطريق، وجسر القطار، والجسر المملوكي (ويُعرف أيضاً بـ "الجسر الروماني")(17).وتعرّض جسر القطار ذي الأقواس الخمسة من الحجر البركاني ـ البازلتي، لعملية نسف قامت بها العصابات اليهودية.
محطة الباقورة (نهراييم)(18)
تبعد هذه المحطة 2 كم إلى الشمال من محطة جسر المجامع. تمَّ تشييد المحطة في العام 1937. تقع على طريق التفتيش على طول الحدود الفلسطينية الشرقية عند مخرج بحيرة طبريا ومصب نهر اليرموك.
الواقع أن هذه المحطة هي المقطع الوحيد من حدود الانتداب البريطاني على فلسطين الباقية في الجهة الاردنية. يشق القطار طريقه نحو موقع التقاء روافد الأردن ونهر اليرموك على جسر حديدي. تمَّ نسف هذا الجسر على يد العصابات اليهودية في عملية عُرفت بـ "ليل الجسور" (نُسفت في هذه الليلة عدّة جسور في 17\6\1946 انتقاما من الانكليز لمواقفهم المعارضة للصهيونية، كما يدّعي زعماؤها).
ويلاحظ أن هذا الجسر الحديدي مؤسس على جسر قديم جدًّا، وإلى جواره أُقيمت محطة لتوليد الكهرباء بترخيص منحته الحكومة الانتدابية لبنحاس روتنبرغ. وكان القطار يتوقف مباشرة بعد عبوره الجسر لإحصاء المسافرين. وكانت تجري عملية إحصاء أخرى عند معبر الحدود في سمخ للتأكد من عدم تسلل مسافرين دون مراقبة أو تفتيش. وكررت العملية ذاتها في الاتجاه المعاكس للمسافرين من ردعا إلى حيفا.
محطة دلهمية
أُقيمت هذه المحطة في موقع القرية العربية "دلهمية"(19)على بعد 81.7 كم عن حيفا. ولم تبن مبان في هذه المحطة سوى لافتة حملت اسم المحطة بثلاثة لغات (الإنكليزية والعربية والعبرية). واستفادت مستوطنة اشدوت يعقوب(20)من وجود هذه المحطة لتطوير منشآتها ومرافقها العمرانية والاقتصادية المختلفة.
محطة ارلوزوروف
أُقيمت هذه المحطة في العام 1937. وحملت اسم حاييم ارلوزوروف رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية الذي اغتيل في تل ابيب في العام 1933. وكانت المحطة تقع على بعد 84 كم عن حيفا ووفرت هذه المحطة خدمات للمستوطنات "شاعار هجولان و ”مسادا“ و“كيبوتس أفيقيم“.
محطة غور الأردن
أُقيمت هذه المحطة بمبادرة من لجنة المستوطنات اليهودية في منطقة غور الأردن الشمالي للحيلولة دون تعرض المستوطنات والمستوطنين إلى هجمات فرق لمقاومة الفلسطينية على المستوطنات. لهذا رأت هذه اللجنة إقامة هذه المحطة قبل توقف القطار في سمخ.
وأصدرت لجنة المستوطنات في منطقة الغور بيانًا في 24 أيار 1936 عممته على المستوطنات والمستوطنين داعية اياهم إلى عدم استعمال محطة سمخ. وبادرت اللجنة ذاتها إلى وضع لافتة تحمل اسم المحطة وأصدرت تذاكر سفر خاصة بها بعد موافقة إدارة الخطوط الحديدية الفلسطينية الانتدابية.
محطة سمخ
قرية سمخ(21)الواقعة عند مخرج بحيرة طبريا كانت إلى ما قبل مد الخط الحديدي بين درعا وحيفا قرية صغيرة وفقيرة، إلاّ أنّ هذا الخط غيّر وجه هذه القرية، حيث ارتفع عدد سكانها ليصل إلى 3500 نسمة في إحصاء 1944\1945. وأخذ سكان القرية يعتمدون في حياتهم ومعيشتهم على العمل في مصلحة القطارات والمرافق الخدمية التابعة أو المكملة.
كانت نقطة الحدود والعبور بين فلسطين وسوريا عند هذه المحطة. وتم التنسيق والاتفاق بين سلطات الانتداب البريطاني والفرنسي على جعل هذه المحطة نقطة حدودية بدلاً من نقطة الحدود التي تبعُد 8 كيلومترات عن جسر أم بطنا على نهر اليرموك. ولكن لصعوبة إقامة النقطة الحدودية هناك، تم إبرام الاتفاق السابق.
وأقامت سلطات الانتداب البريطانية في هذه المحطة نقطة جمارك، وبريد وقاعدة عسكرية بريطانية. وكانت السلطات التركية في العام 1906 قد بنت رصيفًا عند شاطئ بحيرة طبريا الجنوبي ربط بين محطة قطار سمخ وبين مدينة طبريا ومنطقة الطابغة شمالي البحيرة. وتم تشغيل بواخر سياحية لنقل السياح المسيحيين إلى الأماكن المقدسة في أنحاء بحيرة طبريا. واستخدم هؤلاء السياح القطار من حيفا إلى سمخ ثم إلى مدينة طبريا فالطابغة. وقامت السلطات الانتدابية بتشغيل خط طيران مائي حتى بحيرة طبريا.
ساهمت كل هذه المحاولات في تحسين الوضع الاقتصادي لقرية سمخ والمستوطنات اليهودية في المنطقة. وشهدت منطقة سمخ في نهاية أيلول عام 1918 (أي في نهاية الحرب العالمية الأولى) معركة ضارية بين الانكليز والجيش التركي. وكان الألمان قد أمروا حلفائهم الأتراك بالتمسك الشديد والحازم بموقع سمخ لأهميته الاستراتيجية. فسمخ مفتاح طريق طبريا ودمشق. وكانت المعركة الفاصلة بين الطرفين من بناية على بناية في محطة القطار إلى أن حُسمت بهزيمة الاتراك. وانتشرت مباني المحطة على طول 300م. واحتوت على برج للماء ومبنى الإدارة والمسافرين ومخازن متفرقة.
محطة الحمّة
تابع القطار طريقه من سمخ إلى الحمة(22)عن طريق وادي اليرموك. وبسبب طوبوغرافية المنطقة الصعبة اضطر مايسنر إلى بناء جسور وأنفاق وعبّارات كثيرة على طول الطريق. ويمكن رؤية بعض آثار هذه الجسور عن طريق الشارع الملاصق للخط. ولقد نُسفت الجسور في 17\6\1946 ضمن سلسلة من العمليات التخريبية التي نفذتها العصابات اليهودية وفي مقدمتها عصابة البلماح.تقع محطة الحمة على بعد 95.3 كم عن مدينة حيفا. وهي من بين المحطات القليلة التي حوفظ على مبانيها. ويمكن الوصول إلى هذه المحطة عند مدخل ينابيع المياه الطبيعية والحارة في الحمة.
محطة زيزون
"زيزون" بلدة سورية تبعد حوالي 20 كم غرب مدينة درعا. وتعتبر من المواقع السياحية الهامة لإطلال الموقع على وادي اليرموك والشلالات المحيطة. فيها محطة قطار تابعة لخط درعا حيفا.
محطة تل الشهاب
تقع هذه المحطة في بلدة تل الشهاب التي تبعد حوالي 13 كم غرب مدينة درعا. فيها شلالات كثيرة تُغذّي نهر الأردن بالمياه. وتكثر فيها أيضا الآثار القديمة، من أبرزها طواحين مائية تعود إلى الفترة الرومانية. تعتبر هذه البلدة من المواقع السياحية الهامة في سوريا. أُقيمت فيها عدّة فنادق سياحية. فيها محطة قطار تابعة لخط درعا ـ حيفا.
محطة مزيريب
بلدة تابعة لمحافظة درعا. تبعد حوالي 11 كم إلى الغرب من مدينة درعا. تشتهر ببحيرتها التي تعتبر من أهم البحيرات الدائمة والتي تتزود من الينابيع المحيطة بها والواقعة إلى الشرق من البحيرة. يمتاز موقع البحيرة والبلدة عامة بجماله ومناظره الخلابة وقربه من بعض الآثار القديمة والطواحين الماشية. والمنطقة تجذب حركة سياحية داخلية نشطة، خاصة الاصطياف. وأُقيم إلى جانب هذه البلدة مخيما صغيرا للاجئين الفلسطينيين تعيش فيه عدّة مئات من العائلات، إضافة إلى عائلات أخرى تعيش في مخيم درعا وبعض قرى وبلدات حوران مثل: تل الشهاب وداعل والشيخ مسكين.
أنشأ في مزيريب محطة للخط دمشق ـ مزيريب الفرنسي، [...] وأكسب هذا الخط البلدة مكانة جيدة فتطورت فيها مرافق اقتصادية عديدة رفعت من مستوى معيشة السكان. ولما قررت الدولة العثمانية مد الخط الحديدي الحجازي من دمشق إلى الحجاز أصرت أن تكون مزيريب إحدى محطاته، وذلك من منطلق إلحاق الشلل بالخط الموازي التابع للشركة الفرنسية. ولتحقيق هذه الغاية بادرت الحكومة العثمانية إلى الإعلان عن تخفيضات في السفر والشحن على الخط الحجازي.
محطة درعا
مدينة "درعا" هي مركز محافظة درعا في سوريا. تقع المدينة على بعد 100 كم إلى الجنوب من العاصمة السورية دمشق. وأصل الاسم "درعا" كنعاني وورد ذكره في الكتابات الفرعونية والتوراة. وتتميز درعا بغناها بالآثار الرومانية والاسلامية وبقلعتها ومدرجها الروماني وكنائسها ومساجدها وأسواقها وحماماتها. ودرعا هي مركز زراعي هام. تم استصلاح عشرات آلاف الدونمات في جوارها وربطت مساحات واسعة من أراضيها بشبكات الري. ومن محاصيلها الزراعية الزيتون وزيته والثمار والحمضيات والقمح الحوراني الذي تشتهر به المنطقة وهو من أجود أنواع القمح في العالم.
وعانت درعا كغيرها من المدن السورية من الجمود في التطور والانفتاح خلال بعض فترات الحكم التركي، إلى أن أُقيم الخط الحديدي الحجازي في مطلع القرن العشرين فبعثت الحياة بكافة مرافق المدينة والمناطق المجاورة لها. إذ اعتبرت درعا محطة مركزية للقطار تربط بين الشمال (دمشق) وبين الجنوب (المدينة المنورة ـ حيث كان مزمعًا أن يصل الخط المذكور إلا أنه لم يصل بالفعل)، وكذلك كسبت مكانة أقوى وأهم في أعقاب مد الخط الحديدي المتفرع منها إلى حيفا، حينها تم ربط الداخل السوري بالساحل السوري (الفلسطيني). وهكذا وصلت منتجات سوريا، وخاصة درعا ومناطقها إلى ميناء حيفا ومنه إلى البلدان الاوروبية المختلفة.
[مقاطع من الفصل الثاني عشر من كتاب "الخط الحديدي الحجازي / تاريخ وتطور قطار درعا – حيفا"، جوني منصور، مؤسسة الدراسات المقدسية (2008)]
[جميع الصور الواردة في المقال من أرشيف الكاتب]