Quantcast
Channel: Jadaliyya Ezine
Viewing all articles
Browse latest Browse all 5217

هل تصح مقارنة قانون التظاهر المصري بقوانين الغرب؟

$
0
0

انتشرتْ في الفترة السابقة تصريحاتٌ من إعلاميين وقانونيين وساسة راضين عن أداء السلطة الحالية، بأن قانون الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات، الصادر حديثاً برقم 107 لسنة 2013، هو قانون مشابه تماماً لقوانين الدول "الديمقراطية"، وقد تردد ذكر تشريعات فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً في هذا الشأن، والحقيقة هي أن كل تلك الادعاءات لا تعدو كونها عبارات عامة غير مصحوبة بأية دراسات أو مقارنات قانونية داعِمة.

تصريحات خاطئة ونصوص قانونية مقتطعة من سياقها

يستمر قول العبارات العامة غير المتعمقة في شأن قانون التظاهر حيث يدّعي بعض المسئولين أو الإعلاميين والقانونيين المؤيدين لممارسات السلطة الحالية (تماماً كما فعل مسئولو وإعلاميو وقانونيو النظام السابق) أن القانون الصادر حديثاً يشبه تشريعات الدول "الديمقراطية"، وفي رؤوسهم مواضيع هي باختصار: الإخطار المسبق، وحق الشرطة في المنع وفي فض التجمعات الخارجة عن القانون وأساليب استخدامها القوة، وحظر التظاهر أمام أماكن معينة.

فإن بدأنا بشرط الإخطار المُسبق، نجد أنه إجراء غير معمم على جميع أنواع التجمعات في بلدان الغرب؛ فعلى سبيل المثال، على الرغم من نص قانون بريطانيا على شرط الإخطار المسبق، إلا أن القانون البريطاني لا يتطلب الإخطار المُسبق في حالة تنظيم "المظاهرات الثابتة" ولكن الشرط ينطبق فقط على "المسيرات المتحركة"، بل والأكثر من ذلك هو أن البند الحادي عشر من قانون النظام العام لسنة 1986 ينص صراحةً على سقوط شرط الإخطار في حالة المسيرات العفوية والمنَظَّمة بهدف الرد على أحداث عاجلة، كما يوجد نص مشابه لهذا في النقطة (ب) من الفقرة الثانية للبند السادس منالقانون الخاص بتنظيم المواكب العامة في أيرلندا الشمالية، ويجدر ذكر واقعة أن حتى القانون الفرنسي قد تم تعديله في عام 2009 لينص على أنه "يجوز تنظيم الاجتماعات العامة، بغض النظر عن موضوعها، دون الحاجة لإخطار مسبق".

ذلك علاوة على تأسيس البند 105 من القانون الخاص بمقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية أن مخالفة شرط الإخطار في تنظيم مظاهرة أو مسيرة أو موكب "لا تعد جريمة"، ويَستثني النص من شرط الإخطار تلك المظاهرات والمسيرات التي سيتم تنظيمها على الأرصفة والطرق الجانبية طالما لن تمنع حركة المشاة، كما يستثني المظاهرات والمسيرات العفوية والتي تنظم للرد على أحداث عاجلة، إضافةً لتلك التي يتوقع منظموها أن يقل عدد المشاركين فيها عن 50 شخصاً، ويضاف إلى ذلك كافة قوانين أقاليم ومقاطعات كندا التي تسمح بتنظيم المظاهرات والمسيرات في الحالات العاجلة والعفوية دون التقيد بالإخطار، عدا قوانين إقليم كيبيك، وهي استثناء لا يسلم من نقد دولي ومحلي لاذع باستمرار.

ويُشار هنا لتصريحات البعض بأن القانون الصادر أفضل من قوانين كندا وأمريكا أو مشابه لهما، ومن المعروف أن قوانين هذين البلدين، في هذا الشأن، ليست من القوانين الفيدرالية، أي لا يوجد في واقع الأمر ما يسمى بـ"القانون الأمريكي الخاص بالتظاهر"، حيث تنفرد كل ولاية على حدة بتنظيم هذه المسألة مقيدة في ذلك بنصوص دستورية عامة تحددها "وثيقة الحقوق" في كل من البلدين، فعن أي قانون أي ولاية/مقاطعة/إقليم يتحدث هؤلاء؟!

إضافةً، فإن إدراج "أسباب المظاهرة والمطالب التي يرفعها المشاركون" في الإخطار هو قيد يتميز فيه التشريع المصري دون غيره، وهو نص مُقَيِّد وغير مبرر وغير موجود لا في قوانين بريطانيا ولا فرنسا ولا الولايات المتحدة (قانون مقاطعة كولومبيا مثالاً) ولا في قوانين مقاطعات وأقاليم كندا.

وعلى أي حال، فالأمر المعروف لكافة المهتمين بالحق في التجمع هو أن ممارسي الحق في معظم تلك الدول هم من يبادرون بإخطار السلطات وإن لم يتطلب القانون هذا، وذلك لسبب بسيط هو: أن الإخطار في أغلب الديمقراطيات الغربية هدفه هو إعلام السلطات بالتجمع من أجل الحصول على حماية وتأمين قوات الأمن والتأكد من عدم الاصطدام بتجمعات أخرى مناوئة، مما يجعل المصلحة منه لصالح المتظاهر لا قوات الأمن، على عكس المُتَّبَع في القانون المصري الصادر حديثاً.

فهناك سياق سياسي متكامل لا يمكن إغفاله في تلك الدول، وهو وجود مؤسسات يثق فيها الكافة وفي عدم إساءتها استخدام الحقوق الممنوحة لها بموجب القانون، وتلك الثقة مصدرها أولاً: فلسفة القوانين ومدلولاتها إذ تهدف لحماية الحقوق لا تحجيمها، وثانياً: تاريخ من الممارسات الحسنة والتي تدل على مهنية وحيادية هذه المؤسسات.

فعلى سبيل المثال، تتضح الفلسفة من شرط الإخطار، في الديمقراطيات الغربية تلك، من النصوص التي لا تتطلب الإخطار إلّا في الحالات الضرورية لتأمين حقوق الآخرين فقط، ومن عدم اهتمام القانون بإطلاع السلطات على مطالب وشعارات التجمع، وأيضاً في النصوص الواضحة التي تلزم الشرطة بتأمين التجمعات، وفي اهتمام القانون بتنظيم مسألة وجود مسيرتين متعارضتين في مكان ووقت واحد، وفي العقوبات المخففة بشكل يستحيل مقارنته بالقانون الصادر حديثاً.

أمّا على الجانب المصري، فنجد الفلسفة واضحة، فالقانون تطلب "الإخطار" على كل أنواع الاجتماعات بلا استثناء، حتى تلك المنظمة في أماكن مغلقة في مخالفة واضحة للمعايير والممارسات الدولية، (1)ولم يستثن القانون التجمعات العفوية والعاجلة وهو أمر متفق عليه دولياً، وأقرته تشريعات دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا وإستونيا وسلوفانيا ومولدوفا وفنلندا والنرويج والسويد، وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عليه. (2)

إضافةً، تتضح فلسفة القانون الصادر حديثاً حيث اهتم بإطلاع السلطات على أسباب ومطالب المظاهرة، وهو قيد غريب إذ يُفترض أنه لا يحق للأمن منع المظاهرة بسبب مطالبها، فما الحكمة من نص مثل هذا سوى التسلط على ممارسي الحق؟! كما تتجلى حقيقة نظرة ونوايا السلطات فيما يتعلق بالحق في التظاهر في استخدام وزارة الداخلية مصطلح "إذن" بدلاً من "إخطار" في بياناتها، ونجد شخصاً تولى منصب مساعد وزير الداخلية سابقاً يسخر من المدافعين عن الحقوق الدستورية ويتوعد المتظاهرين بتطبيق القانون عليهم "بالجزمة"، ذلك إضافةً لتاريخ الشرطة المصرية في عدم المهنية، بالمقارنة بالقوات الشرطية في الدول الغربية، مما يجعل السياق السياسي الذي مُرر فيه هذا القانون مختلف تماماً عن الوضع في الديمقراطيات الغربية.

تلك أمور تدل على نيّة المُشَرِّع (وهو جزء لا يتجزأ من السلطة التنفيذية حالياً)  من إصدار قانون مثل هذا، فالقانون بشكل عام قد أتى بكثير من القيود على المتظاهرين وعاقبهم بعقوبات مغلظة حال مخالفة تلك القيود، بينما لم يُلزم الشرطة بأي شيء سوى "حماية المظاهرات" و"الالتزام بقواعد استخدام وسائل القوة"، بلا أي نصوص عقابية أو تأديبية، مما أفقد تلك "الالتزامات" أية فاعلية، وجعل القانون عبارة عن حزمة قيود على المتظاهر فقط.

فماذا لو أخلّت الشرطة بالتزامها بحماية المظاهرة (وهو ما حدث بالفعل؟ وماذا لو لم تلتزم الشرطة بقواعد استخدام وسائل القوة وبالتدريج في استخدام القوة المنصوص عليه في القانون) وهو ما حدث بالفعل؟ لا شيء، إذ لم يتضمن القانون ولو عقوبة واحدة على قوات الأمن حال عدم التزامها بالقانون.

ذاك هو الفارق الكبير، فتلك القوانين وضعت التزاماً على المتظاهر يقابله حق لقوات الأمن، وحقاً للمتظاهر يقابله التزام على قوات الأمن، في حين أن القانون الصادر حديثاً لم يُعْنَ إلا بإقرار القيد على المتظاهر، بما يتضمنه من حق لرجال الأمن، دون إقرار أي التزامات حقيقية على رجال الأمن؛ وعلى سبيل المثال أيضاً، لم ينظم القانون أبداً التزامات الشرطة في حالة وجود أكثر من إخطار لمظاهرات متعارضة  في نفس المكان والزمان، وهو أمر هام تنظمه تشريعات الدول الديمقراطية، إذ إن فلسفة الإخطار في تلك الدول، كما ذكرت، هي لحماية حق المتظاهرين لا للتسلط عليهم كما هو الحال في القانون الصادر حديثاً.

القانون الصادر حديثاً تأثر في بعض نصوصه بقانون البحرين لا بقوانين ديمقراطيات الغرب

بدراسة متعمِّقة في قوانين بعض الدول الأخرى، بعيداً عن مجرد طرح عبارات عامة، يتضح جليَّاً أن القانون المصري لا يشبه لا أفضل الممارسات الدولية ولا ممارسات دول الغرب أبداً، بل هو أقرب بعض الشيء للمرسوم بقانون رقم 18 لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات بالبحرين، وهو قانون يمثل أحد أهم أدوات النظام البحريني القمعي في قمع شعبه.

فإذا ناقشنا مواد التجريم، سنجد أن نظرة سريعة على قوانين الغرب (التي ذكرتها إضافةً لغيرها من القوانين)  تُخرجنا بملحوظة مفادها أن تلك القوانين تُفَصِّل توصيف تلك الأفعال تفصيلاً مُمِلَّاً حتى لا تتوسع السلطات في تفسير النصوص على أهوائها، في حين تشابهت نصوص القانون المصري مع نظيره البحريني بشكل كبير، من حيث العبارات العامة التي للسلطتين المصرية والبحرينية تاريخ في إساءة استخدامها: مثل الإخلال بالأمن العام أو النظام العام، وقطع الطرق، وتعطيل مصالح المواطنين... إلخ.

إضافةً، فقد تضمّن القانونان (المصري والبحريني) نصوصاً عقابيةً تشابهت بشكل كبير، وهي نصوص مغلظة بشكل ليس له مثيل في أي من دول الغرب (لا الديمقراطية ولا غير الديمقراطية) فضلاً عن أن القانون الصادر حديثاً لم ينص على إلغاء القانون رقم 10 لسنة 1914 وهو قانون به عقوبات غير آدمية، كانت سلطات الاحتلال البريطاني قد أصدرته عقب إعلانها الحماية على مصر للسيطرة على مظاهرات الحركة الوطنية المصرية.

فضلاً عن هذا، فالقانونان، على عكس قوانين دول الغرب، لا يسمحان باستثناءات تُذكر على شرط الإخطار، كما يعتبر القانونان مجرد الخروج عن الإخطار سبباً لفض التجمع، وهو ما ذهبت المعايير والممارسات الدولية لرفضه كما ذكرتُ من قبل.

أمّا فيما يتعلّق بضوابط استخدام القوة، فنجد أن القانون المصري أقرب كثيراً لقانون البحرين، في حين أنه قد ابتعد تماماً عن المعايير والالتزامات الدولية في هذا الشأن؛ فبالاطلاع على جميع المسودات السابقة لقانون التظاهر نجد أن نصها الذي يشير لقانون هيئة الشرطة هو نص مشابه بشكل كبير لنص مواد الفصل الثالث من قانون العقوبات البحريني والتي تتيح لرجال الشرطة القتل بلا حساب.

وإن كان القانون الصادر حديثاً قد تضمّن نصاً أفضل من مشاريع القانون السابقة، ومن قانون البحرين، إلّا أنه لا يزال أقرب للتشريعات القمعية، مثل القانون البحريني، من تشريعات الدول الغربية المسماة بـ"ديمقراطية"؛ فقد أتاح القانون المصري استخدام الخرطوش غير المطاطي (وهو سلاح مميت) حتى في غير الحالات التي تشكل خطراً جسيماً على الحياة أو الملكية، (3) كما أنه أتاح استخدام القوة بشكل عام بغير مراعاة مبدأ التناسب مع الخطر الذي يمثله التجمع.

وقد أخل القانون المصري في هذا الشأن بتقرير المقرر النوعي للأمم المتحدة بشأن الحق في التجمع وبالمبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون إذ يؤكدّان على عدم جواز استخدام القوة إلّا في أضيق الحالات وبالتناسب مع الخطر الذي يمثله التجمع، كما تحظر النقاط 9، 13، 14 من المبادئ الأساسية استخدام قوات الأمن القوة بأي شكل ضد التجمع السلمي، وتحظر تماماً استخدام السلاح إلّا في حالة كون استخدامه حَتمياً للدفاع عن النفس أو الغير ضد الخطر الوشيك بالموت أو الإصابة الجسيمة، وهي كلها أشياء للأسف سمحت بها تشريعات مصر والبحرين، والتي تبيح استخدام طلقات الخرطوش لا فقط ضد من لا يمثل خطراً حقيقياً على النفس، بل حتى ضد التجمعات السلمية. (4)

حظر التظاهر أمام "المنشآت الحيوية" لا يشبه أياً من قوانين ديمقراطيات الغرب

ادّعى الكثيرون أن القانون الأميركي يحظر التظاهر أمام البيت الأبيض، بل ويسمح بقتل من يقترب منه، وهي عبارات لا أعلم من أين أتى بها أصحابها، إذ إن المؤكد في هذه الأمر هو أن تنظيم المظاهرات أمام أسوار مبان مثل البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية هي أمور مُباحةٌ وتحدث، على الأقل، أسبوعياً.

وادّعى آخرون أن التظاهر محظور تماماً أمام البرلمان البريطاني وأن للقانون البريطاني نصوصاً تشبه القانون المصري في هذا الشأن، وهو أيضاً ادعاء كاذب؛ فمن جانبٍ، فإن الحظر المنصوص عليه في البنود من 132 حتى 138 من قانون الجرائم المنظمة ذات الخطورة الجسيمة والشرطة البريطاني لسنة 2005 ليس حظراً تاماً ولكنه استثناء على القاعدة، حيث يوجب حصول تلك المظاهرات على إذن من السلطات على أن يرسل المنظمون طلباً بذلك قبل التجمع بستة أيام أو في أي وقت آخر، لا يقل عن 24 ساعة قبل موعد التجمع، إن لم يكن الحدث المطلوب التظاهر بسببه متوقعاً.

أمّا على الجانب المصري، فقد حظر القانون المصري أي تجمع في أي وقت أمام أماكن متعددة لم يحددها، إذ أطلق يد وزارة الداخلية في تحديد هذه الأماكن دون رقيب، محدداً عدة أماكن يستحيل فعلياً ضمان حق التجمع في ظل حظر أي تجمع أمامها إذ إنها منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية، وقد أقر المقرر النوعي للأمم المتحدة بأن القوانين الأفضل هي تلك التي تتجنب حظر التجمع أمام أماكن معينة في أوقات بأكملها، حيث يجب دوماً أن يكون منع التجمع من "تدابير الملاذ الأخير" فقط (فقرة 39).

أرضية لا تصلح للمقارنة

على الرغم من أن قوانين تلك الدول الغربية التي يعتبرها الكثيرون "ديمقراطية" هي بلا شك أفضل من التشريع الصادر حديثاً كما ذكرت، إلّا أنني أود التأكيد على أن مجرد عقد تلك المقارنة هو أمر خاطئ من البداية، حيث أن لتلك الدول سياقاً سياسياً متكاملاً يختلف تماماً عن الوضع في مصر.

فعلى الرغم من رأيي السلبي في تشريعات كثير من تلك الدول وفي اعتراضي على توصيفها كلها بأنها "ديمقراطية" من الأساس، وهو ما عبّرت عنه بشيء من التفصيل في مقال سابق، إلّا أن الإشارة لمؤسسات تلك الدول "الديمقراطية" تصبح واجبة حين يكثر تلفيق واقتطاع النصوص القانونية الأوروبية من سياقها لتبرير تشريعات القمع في مصر.

فيجب في هذا الأمر أن يعلم الكافة أن لأغلب تلك الدول مؤسسات شرطية وقضائية لها باع طويل في المهنية والحيادية والاستقلالية، على عكس الوضع في مصر؛ فعلى سبيل المثال، قد تجد نصوصاً عامةً في قوانين غربية، ولكن بمتابعة ممارسات قوات الأمن وجهات التحقيق والقضاء تجد أن نادراً ما تُستخدم تلك النصوص تأويلاً لتلفيق تُهم لأبرياء، ذلك على عكس ما يحدث في مصر، ولا أظنني محتاجٌ للخوض في تفاصيل وأمثلة على تلفيق تهم "تكدير السلم العام" و"التجمهر" و"التحريض على العنف"... في مصر!

فموضوع مثل إعطاء الشرطة حق الاعتراض على المظاهرات في الديمقراطيات الغربية، على سبيل المثال، هو موضوع يُقتطع من سياقه تماماً عند الحديث عن القانون المصري؛ إذ يأتي القانونان البريطاني والبحريني، مثلاً، مؤسسين لحق الدولة في الاعتراض على تنظيم الاجتماعات العامة، ولكن فرقاً جوهرياً يفصل بين البلدين: هو أن الشرطة البريطانية نادراً ما تستخدم هذا الحق فهي لا تُسيء استخدامه أبداً، في حين أن الشرطة البحرينية تستخدم هذا "الحق" في قمع الحق في التجمع بشكل دائم ومنهجي.

فكان يتعين أن تكون تلك القوانين هي آخر ما تصدره الدولة بعد حزمة إجراءات لتطوير وإصلاح الجهازين الشرطي والقضائي المصريين، أو على الأقل بالتوازي مع تلك الإجراءات الإصلاحية، وإن نظرنا إلى تجارب أمم تشبه مصر أكثر من دول أوروبا الغربية، سنجد أن تجارب الانتقال "الديمقراطي" في أوروبا الشرقية، والتي انطلقت مع عامي 1990 و1991، لم تُتَوَّج بقوانين مثل هذه إلا بعد فترة من تطبيق حِزَم إصلاحية لمؤسسات الدولة؛ على سبيل المثال، نجد أن القوانين المنظمة للحق في التجمع قد صدرت في جورجيا في الأعوام 1997 و2009، وفي كيرجيزستان في 2012، وفي لاتفيا في 1997، وفي مولودوفا في 1995 وفي 2002، وفي أذربيجان في 1998 وفي 2012، وفي كل من بيلاروسيا وإستونيا في 1997 وفي 2011.

مهاجمو الأمس هم مدافعو اليوم، والعكس صحيح

الغريب في الأمر هو أن من يدافعون عن القانون هذا هم أنفسهم من هاجموا مسودات سابقة من القانون، بها اختلافات طفيفة للغاية، إبّان الحكم الإخواني، والعكس صحيح؛ فمن ناحية، تجد تصريحات ومقالات غاية في السطحية تدافع عن قانون التظاهر الصادر حديثاً، وتجد أنها في كثير من الأحيان تصدر من أشخاص ممن هاجموا نفس القانون وقت حكم الإخوان، ومن ناحية أخرى، تجد أناساً مهاجمين للقانون الصادر حديثاً ممن دافعوا عن إصدار مسودات بها اختلافات بسيطة عما صدر، بل أنّهم قد دافعوا عن إصدار مسودة ديسمبر 2012 وهي أسوأ ما ظهر من مسودات بشأن الحق في التجمع إذ تشبه تماماً قانون البحرين في الغالبية العظمى لنصوصها.

ولا شك في أن السلوك المشترك بين إعلاميي وقانونيي وسياسيي النظامين السابق والحالي هو أنهما، برغم خلافاتهما السياسية العميقة، اتفقا على التغاضي عن الواقع السياسي في تلك الدول، وعلى اقتطاع القوانين الغربية من سياقها، متى كان ذلك يصب في مصالحهم الضيقة؛ فنجد أن كلاهما، مثلاً، تحدث عن أن القانون البريطاني اشترط الإخطار المُسبق، وكلاهما أخفى، بهدف تضليل الجمهور، معلومة أن الإخطار هذا لا تُعنى به سوى المسيرات المتحركة فقط من دون المظاهرات وباقي أنواع الاجتماعات العامة، وأنه غير إلزامي في الحالات العفوية والعاجلة...

ولعل للعاقلين أمارة من اتجاه أتباع النظامين (الحالي والسابق) للكذب والتضليل من أجل إصدار هذا القانون فور وصولهما للسلطة، فهل هو قانون يهدف لبناء دولة أم يهدف لتحصين من في السلطة وقمع من خارجها – تماماً كهدف الاحتلال البريطاني من إصدار قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914؟

 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 5217

Trending Articles