- جنان
- نعم
- اتصلوا فيكي من السجن؟
- لأ ليش؟
- اتصلوا فينا وبلغونا أنه الزيارة بكرا ملغية
- مين اتصل؟ وينتا؟!
- من شوي حوالي الساعة 9:30 المسا اتصل واحد خبرني بكرا فش زيارة
- مين اللي اتصل سألته عن اسمه ووظيفته؟
- لأ حكى عربي وقالي بحكي باسم الإدارة
- طيب وشو قال كمان
- طوارىء!
محادثة كان من الممكن أن تكون عادية بين ناس عاديين لكنها لم تكن محادثة عادية، لناس غيير عاديين. ناس عاديون جعلهم واقع الأسر ناساً غير عاديين، يمرون في تجارب حياتية غريبة، الثابت فيها هو اللا ثابت. كل شيء ممكن أن يحدث. كل شيء غير متوقع ممكن أن يصبح متوقعاً، تماماً كأن يصلك اتصال الساعة التاسعة مساء من السجن يقول لك إن زيارة الغد ملغاة. هكذا دون مقدمات أو تفسير، محادثة قصيرة جداً لا تتعدى ثوان تحسم الأمر. محادثة كهذه تصدر حكماً أن الزيارة التي كان من المفروض أن تجري غداً بعد أسبوعين من الغياب ببساطة لن تتم، هذا معناه أسبوعان إضافيان دون لقاء، أي شهر من الزمن دون لقاء بين الأسير وعائلته.
كل شيء يتلخبط، المشاعر تتلخبط ، لا تعرف ماذا تشعر وما تحس. كل شيء ينقلب "فوقاني تحتاني"، لا أعرف ما أشعر وماذا يجب أن أشعر بهذه الحال. تجربتي مع الأسر ليست طويلة نسبياً، قرابة الأربع سنوات أمضاها زوجي خلف جدران السجن، مررنا خلالها بالعديد من الحوادث والأحداث، لكل شيء مرة أولى. وهذه هي المرة الأولى التي نجرب فيها معنى إلغاء الزيارة. أنا لا أعرف أصلاً ما يشعر هو به. أية مشاعر تراوده الآن؟ بماذا يفكر؟ كيف ممكن أن تمر عليه هذه التجربة وكيف من الممكن أن يكون رد فعله. الإلغاء ليس شخصياً بل جماعي. معنى هذا أن أمراً حدث جعل إدارة السجن تقرر أن تلغي زيارات الأهل. بالغالب هو إجراء عقابي على شيء قام به الأسرى واعتبرته الإدارة تمرداً أو خطراً أمنياً. لكن ماذا عسى الأمر أن يكون؟!
مرت ببالي بعض التوقعات فأنا أعرف أن أخ أحد شهداء مخيم جنين، هو سجين في ذات السجن. هل ممكن أن يكون الأمر مرتبطاً برد فعل تضامني واحتجاجي قام به الأسرى؟ هل هو أمر آخر؟ عدم المعرفة قاتل. الشعور بالعجز بأنك غير قادر على التواصل مع داخل السجن. لماذا؟! لأن الأسرى السياسيين، من تسميهم إسرائيل لحاجاتها "أمنيين" ممنوعون من أية وسيلة اتصال مع العالم الخارجي، ليس فقط أن الزيارت محدودة لأقارب درجة أولى مرة كل أسبوعين، ليس فقط أن الزيارات تجرب من خلال زجاج حاجز يمنع كل إمكانية تواصل أو لمس جسدي، وأن المحادثة تتم من خلال سماعة هاتف مراقبة. اضف إلى ذلك، فإن الاتصال مع العالم الخارجي ممنوع. ليس كما هو الحال مع السجين الجنائي.
أفكار ومشاعر عديدة تراودني، تضطرني أن أترك أوراقي جانباً. كنت أجلس محاولة إنهاء بحث علي أن أسلمه بعد غد للكلية حيث أدرس المحاماة. وقد قاربت على إنهاء السنة الثانية من دراستي. والمحاماة لم تكن موضوعاً كنت قد فكرت به بالمرة قبل اعتقال أمير. إنه حاجة برزت بعد اعتقاله حيث بدأت أشعر بأهمية وحاجة لمعرفة القوانين والأنظمة ودراستها لتقوية المحاججات مع السجن في كل مرة نصل هناك ويكون نوعاً من أنواع المنع. كما في المرة التي رفضوا استلام الكتابين المسموح لنا كعائلة بإيصالهما وقالوا إنها الأوامر.
عندها وجدت نفسي أسأل الضابط المسؤول:
- ما السبب؟
- لا أعرف. أوامر.
- من قرر؟
- الإدارة.
ووجدت نفسي أرد عليه بكل ثقة: هناك قرار وزاري يلزم بإعطاء كتب مرة بالشهر للأسير ومدير السجن لا يملك الصلاحية كي يلغي هذا الأمر.
ارتبك الضابط ولم يعرف ماذا يرد وقال: أنا لا أعرف. فقلت وشعور الانتصار الأولي يرافقني : أرجو أن تنقل له أقوالي وإن احتاج أن أرسل له نسخة من ذلك، بإمكاني أن أفعل هذا.
في الزيارة التالية استلموا منا الكتب.
أما الآن فمشاعر القلق تراودني. وضعت أوراقي جانباً ومعها وضعت مشاعري الملخبطة. هذه الزيارة أصلاً كانت غريبة من بدايتها حيث صادف أن لا أحد من أخوة أمير يستطيع مرافقتي بالزيارة وابنتي تدرس لامتحان وكان من المفروض أن أزور أمير لوحدي ولم أزره لوحدي من مدة طويلة لأنني دائماً أفضّل أن يزور معي باقي الأخوة كي يلتقي بهم.
***
الزيارة التغت. لا زيارة يوم غد. هذا ما فهمته من المحادثة مع والد ميلاد.
كان واضحاً من محادثتي مع والد ميلاد أنه لم ينتبه أن يسأل المتحدث عن وظيفته. أخذت منه رقم الهاتف. حاولت الاتصال، لا جواب.
أنا شخصياً لم أتلق أي اتصال فما معنى ذلك؟ هل الزيارات ممنوعة للجميع؟ وإن كان الأمر كذلك لماذا لم يتصلوا حتى الآن؟ ومن المتصل ولماذا الآن؟
كان غريباً هذا الاتصال عشية يوم السبت وهو يوم العطلة لدى اليهود. فما عسى أن يكون الأمر الذي جعلهم يكسرون "سبتهم" ويقومون بالاتصال وإلغاء الزيارة.
كان من الواضح لي أيضاً أن علي أن أترك مشاعري جانباً وأن اتصرف بسرعة ومسؤولية.
وتبدأ جولة اتصالات مني للعائلات محاولة استفسار إن تلقى أحدهم بلاغاً مشابهاً.
حاولت الاتصال بالرقم المذكور. لم يكن هناك أي جواب. الهاتف يرن من الطرف الآخر لكن ما من جواب.
اتصلت بمحام صديق، تبين أنه خارج البلاد .
اتصلت بمحامي آخر فلم يرد. المحامي الثالث اتصل بالسجن فأكدوا له أن الأمر صحيح وأن زيارات الغد ملغاة. لماذا؟ - طوارىء.
في هذا الوقت نجحت بنفسي بالاتصال بعائلتين سألتهما عن الأمر. إحدى العائلات من الجولان المحتل ويتم ترتيب زياراتهم عن طريق الصليب الأحمر. أخبرتني العائلة، أنهم لم يتلقوا أي اتصال لا من الصليب الأحمر ولا من السجن.
الثانية أنا نفسي نسيت أن أخاها نقل إلى سجن آخر من مدة، لكني كنت أريد أن أسألها من خبرتهم الطويلة الناجمة عن سجن دام أكثر من 28 عاماً إن واجهوا شيئاً مشابهاً كأن يقوم عمال السجن بالاتصال بالعائلات وفي ساعة متأخر كهذه! اتصلت بعائلة من اللواتي يزرن السجن معنا وعادت وأكدت لي أنهم تلقوا اتصالات هم وعائلة أخرى، أي أن إدارة السجن تقوم بالاتصال بالعائلات. وأكدت لي أيضاً من تجربتها الطويلة مع أخيها أنه يحدث أحياناً إلغاء نتيجة أمور طارئة. وسؤالي الذي لم نستطع كلتانا الإجابة عليه لماذا: ما عسى أن يكون الامر الطارىء؟!
خلال الاتصالات وصلتني رسالة على ”الواتس اب“ من سجين محرر من أسبوعين يطلب أن أوصل سلامي لأمير أثناء الزيارة غداً.
- بكرا ما في زيارة
- خير؟
- اتصلوا من السجن ولغوا، شو برايك ممكن يكون السبب؟
- انشا لله خير مع أنه الخبر مو خير
حاول أن يطمئنني برده لكنه أقلقني أكثر لأنه كان واضحاً أنه هو أيضا قلق.
مرت ساعة إضافية لم يصلني أي اتصال من السجن.عممت ملاحظة مني على الفيسبوك على صفحتي حول الأمر.
وبدأ حوار بين أسرى سابقين وعائلات على صفحتي. سألتني أخت أحد الأسرى التي من المفترض أن تزور أخاها يوم غد لكن مع أول مجموعة أي عليها أن تكون الساعة الثامنة هناك.
سألتني ماذا تفعل:
- هل في زيارة ولا لأ؟ يعني نروح بكرا ولا شو رأيك؟
- ما بقدر أقولك هذه المعلومات اللي عندي. لكن بالمحادثة مع المحامي أكدوا أنه ما في زيارات.
رغم أني كنت شبه متأكدة من إلغاء الزيارات كان صعباً علي أن اؤكد لها. من جهة أعرف معنى الصعوبة النفسية في الأمر وأيضاً لا أريد أن أقرر عنها. يعني كيف يكون الأمر لو قلت لها ما في زيارة وتبين لاحقاً أنها لم تذهب وكانت زيارة!
لم يكن هناك الكثير كي أفعله ساعتها، كان واضحاً لي أني لن أجد إجابات ليلتها لتساؤلاتي ما عسى الامر أن يكون، ما وضع الشباب؟ هل هناك اقتحام ومواجهات؟ هل نقلوا أحداً من السجن؟ هل تعرض أحدهم للأذى؟! لم تكن عندي إجابات. تابعتُ الاتصال حتى ساعة متأخرة مع مؤسسات ومحامين لفحص إمكانيات التحرك السريع. ذهبت للنوم قرابة الثالثة والنصف صباحاً.
***
هذا اليوم كان يوماً مغايراً، بدأ مع خبر استشهاد 3 شباب من مخيم جنين وانتهى بإلغاء زيارة للسجن بسبب أمر طارئ غير معروف ما هو؟! ما هو أكيد، أن الغد سيكون أيضاً يوماً مغايراً، يوماً فلسطينياً بامتياز.
في الساعة الثامنة صباحاً رن جرس الهاتف في البيت، توقعت أنها مكالمة من السجن. المتحدثة في الطرف الآخر أكدت ما أعرفه: لا زيارات اليوم. وفقط عندما طلبت منها أن تعرف بنفسها ووظيفتها قالت: ضابطة الأسرى. وحول سؤالي عن السبب قالت: مشكلة بغرفة الزيارات. الأمر الذي عرفت لاحقاً من محامي الوزارة الذي زار السجن يوم الاثنين أنه غير صحيح وأن سبب إلغاء الزيارة كان إرجاع الأسرى وجبات طعام 3 أيام متتالية احتجاجاً على سياسات السجن وعدم تجاوب الإدارة مع جملة من مطالبهم. فقامت الإدارة عقاباً لهم بإلغاء الزيارات، وإلغاء ”الفورة“ – ساعة الخروج للساحة وجملة من الإجراءات الإضافية.
وحين سألتها هل ستكون هناك زيارة بديلة أجابت: نعلمكم لاحقا.
- متى؟
- خلال الأسبوع.
ولاحقاً علمتُ أيضاً أنه لن تكون زيارة بديلة وأن اللقاء القادم بعد أسبوعين. شهر كامل من دون زيارات. شهر من دون لقاء!!