منذ عقود يُبرِّر الغرب عقوباته المفروضة على إيران بفكرة سردية تفترض أن العقوبات ستجبر الحُكام المتسلطين في إيران على العودة إلى رشدهم وستضع حداً لانتهاكاتهم، سواء خارج البلاد أو داخلها. ويرى الغرب أن تلك العقوبات "الجراحية" تضيّق حبل المشنقة حول عنق الطغاة بدقة متناهية، بشكل سيجعلهم يراجعون بتعقل سياستهم الخارجية ويرفعون أيديهم الملطخة بالدماء عن عنق شعبهم المغلوب على أمره.
ويبدو للغرب جمال هذه الفكرة من حيث أنها قد تضرب عصفورين بحجر: فالعقوبات تضيّق، من جهة، الخناق على مرتكبي الانتهاكات والجرائم، ومن جهة أخرى تحرر الشعب المضطهد وتمهد الطريق أمامه إلى الديمقراطية. لكن هذه العقوبات في الحقيقة لن تؤدي إلى هذه النتائج على أرض الواقع. فمع كل جرعة جديدة من العقوبات، يسارع الساسة الغربيون إلى التأكيد على أنها لا تستهدف الشعب الإيراني، الذي يستحق حياة أفضل من هذه التي يعيشها في ظل النظام القائم. لكن ما الذي يفكر به الإيرانيون الذين يشعرون بوطأة العقوبات؟
[في قبضة العقوبات: تبدو آثار العقوبات الاقتصادية على الشعب الإيراني أكثر وضوحاً في كل مرة. فالتضخم المالي ازداد بشكل مطرد، وكذلك أسعار الأدوية وتكاليف المعيشة. ونتيجة لوقف استيراد النفط من إيران، فإن إيراداتها انخفضت بنسبة تتراوح بين 20 و40 في المئة.]
لنتصور ولو للحظة أننا نعيش في بلد يتعرض لعقوبات شديدة. فكيف سيكون حالنا: حين ترتفع إيجارات المنازل وأسعار الملابس والمواد الغذائية بشكل مستمر، وتفقد العملة المحلية قيمتها، ويتهدد الخطر فُرَص العمل بسبب غياب التجارة الخارجية الضرورية؟
وكيف يكون الحال حين تتعامل البنوك الداخلية والخارجية مع الإيرانيين كمنبوذين، وحين لا يكون بالإمكان إجراء معاملات بنكية - شخصية أو تجارية - مع طرف خارجي إلا بعد دفع رسوم باهظة أو من خلال طرف ثالث؟ وكذلك كيف يمكن تخيل الوضع حين يخاف المرء على حياته كل مرة يركب فيها الطائرة، بسبب تقادم عمر الطائرات وعدم القدرة على توفير قطع الغيار اللازمة بسبب العقوبات، وحين تُمنَع شحنات المواد الغذائية الآتية من الخارج، وتكون النتيجة كارثة إنسانية لدى مرضى السرطان وغيرهم؟
أمل ضئيل
نستخلص من هذا كله أن عزل البلاد غير المسبوق عن النظام المالي والمصرفي العالمي هو ذاته العاصفة التي شلّت القطاعات المدنية البحتة من الاقتصاد أيضاً. هذا جزء فقط من الحجم الهائل لـ"العقوبات الموجهة ضد النظام". وفي كل يوم ترد أخبار متلاحقة من إيران، مملوءة بأصوات يائسة لأشخاص باتوا يعانون بشكل أكبر في ظل النظام الذي يضطهدهم.
لكن الحرية تحتاج إلى تضحيات، كما يردد بعض المعارضين الإيرانيين في المنفى، من لوس أنجيليس إلى لندن. ويقول مستخدم على شبكة "فيسبوك" يدعى رامين إن ثمن الحرية باهظ، والوقت حان كي ندفعه. وتردّ عليه مستخدمة أخرى تدعى سارة بانفعال: "نحن ندفع ثمن حريتنا مسبقاً، وإذا نسيت ذلك، فإن سجن إيفين يفيض بالسجناء!". وآخرون يذكّرون بأن الثوار في مصر لم يطالبوا في أي وقت بفرض عقوبات على طغاتهم، وأنهم أطاحوا بهم بأنفسهم.
التقييم الإيجابي للعقوبات يستند على فرضية أن هناك علاقة تربط بين العقوبات ونشر الديمقراطية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك أملاً ضئيلاً، يجب أخذه بجدية، ويبدو أن هذا الأمل يوحّد بعض الساسة الغربيين والإيرانيين في المنفى، ألا وهو أن العوز الاقتصادي سيوجه غضب الشعب تجاه النظام وسيمهد الطريق للإطاحة به.
[وقود لحجج المتشددين: يعتبر فتح الله نجاد أن "الأنظمة الشمولية الواقعة تحت الضغط تزيد من قمعها للمعارضة وهي قادرة على تحميل الشعب تكاليف العقوبات، وهو ما من شأنه أن يطيل من عمرها.]