اتسعت حدّة الجدل حول مشروع القرار الفلسطينيالذي قدمه الأردن، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، بالاتفاق مع الفلسطينيين وجامعة الدول العربية. وعلى الرغم من رفض القرار في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي من قبل مجلس الأمن، فقد أكد الفلسطينيون أنهم سيحاولون تقديمه مرة أخرى. وجاء التأكيد الفلسطيني على لسان سفير فلسطين للأمم المتحدة، رياض منصور، في النقاش الأخير أمام مجلس الأمن حول الوضع في فلسطين، من دون أن يعطي موعداً محدداً، أو إشارة إلى تغييرات قد تطرأ على نواة المشروع.
أما السفير الإسرائيلي، رون بروسور، فقد وصف المطالب الفلسطينية في حق العودة وإقامة دولة فلسطينيّة، والتي نص عليها مشروع القرار، بـ"غير الواقعية"، وقال إن "حق العودة ليس موضوعاً للنقاش أصلاً". ولام الدول التي تشجع الفلسطينيين على المضي فيما سماه "أوهاماً".
ولأن حق العودة وقضية اللاجئين مسألتان أساسيتان، لا بد من الرجوع إلى التفسير القانوني للقرار 194 (الصادر عام 1948)، كونه يُشكّل أحد القرارات ذات الصلة، التي يعتمد عليها مشروع القرار الذي قدمه الفلسطينيون، من أجل التصويت عليه لإيجاد "حلّ عادل ومُتَفَق عليه". تُسهب، في مقابلة معها لكتابة هذا المقال، الأستاذة في كلية الحقوق في جامعة بوسطن، والمتخصصة في القانون الإنساني وقضايا اللاجئين، سوزان أكرم، في شرح حيثيات الموضوع، وتقول "تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948 القرار 194، والذي يُعدّ نواة قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين. ويؤسس القرار، الذي أُنشئت بموجبه لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة، إلى أمور عدة بحق العودة وحقوق اللاجئين الفلسطينيين". وشددت "طالب القرار بتسهيل إعادة اللاجئين، الراغبين في العيش بسلام مع جيرانهم، إلى وطنهم وتوطينهم من جديد في أقرب فرصة ممكنة. إضافة إلى دفع التعويضات للذين لا يرغبون في العودة، وكذلك لأولئك الذين عانوا من خسائر وتعرّضت ممتلكاتهم للضرر، وقرروا العودة. كما نصّ القرار على حماية الأماكن المقدسة ونزع السلاح من مدينة القدس وفرض سيطرة الأمم المتحدة عليها".
وتلفت أكرم الإنتباه إلى أنه "علينا أن نأخد بعين الاعتبار أن خبراء القانون الدولي يختلفون في تفسير القرار". وتُضيف أن "عدداً من الأكاديميين الإسرائيليين يزعمون بأن القرار 194 غير ملزم دولياً، لأنه منبثق عن جمعية عامة، وهو لا يشترط حق العودة ولا يفترض وجوده، لأنه يربطه بالعيش بسلام مع إسرائيل. ولإسرائيل وحدها الحق في تقرير متى يتم تحقيق الشرط، وعدد اللاجئين الذين يحق لهم العودة بعد اتفاقية سلام كاملة أو جزئية". وتكشف، أن "ما يعزز الرأي الإسرائيلي هو رفض سلطات الاحتلال التوقيع على اتفاقية جنيف الرابعة، التي يذكرها البعض كأساس لحق العودة". لكن أكرم تؤكد أن "الرأي الإسرائيلي لا يُشكّل سوى أقلية في العالم، كون معظم الباحثين يرون أن للقرار 194 معنى عاما وتنفيذيا، ويضمن حقاً قانونياً للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى فلسطين".
ومن الأمور الجدلية في موضوع "حق العودة"، وفقاً لأكرم، هو "ادّعاء البعض عدم وجود أسس قانونية دولية لحق العودة للاجئين، لأن عبارة: العودة إلى بلده، تعني عودة مواطني دولة إليها، وهذا لا ينطبق على الفلسطينيين، لأنهم ليسوا مواطنين في دولة إسرائيل". وتتابع "بالإضافة إلى ذلك، فإن أنصار الموقف الذي ينكر للفلسطينيين حق العودة، يرتكزون على فكرة أن ما يشترط حق العودة، هو قيام دولة تمنع العودة بشكل عشوائي، فمخاوف إسرائيل الأمنية ليست اعتباطية، ومن حقها أن تُستثنى من حق العودة، لأنها في حالة طوارئ، حسب زعمهم". غير أن أكرم تجد الجواب، وتكشف "هناك قراءة أخرى للقانون الدولي، تُفسر عبارة: العودة إلى بلده، بما يُرسّخ عودة من هم ليسوا مواطني الدولة، التي يرغبون في العودة إليها، وهناك سوابق في القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان، تفسّر تلك العبارة بطريقة أشمل، وتعتبر أن المواطنة لا تعتمد على المولد أو على اكتساب الجنسية فحسب، بل تشمل أي فرد لديه روابط خاصة بأرض ما. وبما أنه تمّ انتزاع الفلسطينيين من أرضهم على أسس العرق أو الدين أو القومية، فإنهم، طبقاً لقانون تتابع الدول، يُعتبرون مقيمين في الأرض المدعوة إسرائيل".
وأشارت أكرم إلى أن "أهمية مراجعة الأسس القانونية والتفسيرات المختلفة للقرار 194، تكمن في عدم وجود إجماع مطلق وواضح، وأن تفسيره يختلف. ولذلك فالتفسير الذي سيتم قبوله واعتماده ضمنياً في مشروع القرار الأردني، أو أي قرار مستقبلي مشابه، لإطار المفاوضات سيكون ذا أهمية وتبعات كبيرة"ولفتت إلى أن "الإشارة إلى حقوق الإنسان كانت محدودة جداً في اتفاقيات الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولم تكن هناك إشارة البتة إلى حقوق اللاجئين. والاتفاقيات الوحيدة التي تم تنفيذها، هي تلك الناتجة عن أوسلو، وأهمها إعلان المبادئ عام 1993، واتفاقية غزة- أريحا، والاتفاقية المؤقتة لعام 1995 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية". ورأت أن "كل تلك الاتفاقيات لا تحتوي على إشارة إلى أملاك الغائبين أو اللاجئين، كما أجّل اتفاق أوسلو مناقشة موضوع اللاجئين إلى المرحلة النهائية، التي لم نصل إليها. وتمّ الإخلال باتفاقيات أوسلو ماديّاً. ولم تثمر مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 عن أي اتفاقيات، وفي طابا تمّ إنتاج مشروعين لإسرائيل والسلطة الفلسطينية".وتشير أكرم إلى أن "مشروع السلطة اعتمد على تفسير القرار 194، ضمن القانون الإنساني وقوانين حقوق الإنسان الدولية، والتركيز على خيار اللاجئين بالعودة إلى أراضي 1948 أو إعادة توطينهم". وذكرت أن "المشروع الفلسطيني تحدث عن مسؤولية إسرائيل الأخلاقية والقانونية، للتهجير القسري للفلسطينيين عام 1948 ومنعهم من العودة. أما المشروع الإسرائيلي فقد تضمن الرواية الإسرائيلية وإطاراً وآليات للحل، مع عبارة عن اللاجئين اليهود. وكانت الخيارات الإسرائيلية محصورة في عودة عدد محدود من الفلسطينيين، وتبادل أراضٍ مع إعادة توطين في دولة ثالثة. بالتالي شكّلت طابا أول مفاوضات تشير بشكل صريح إلى القرار 194 كإطار لحل قضية اللاجئين، وكانت نقطة تحول في الاعتراف بالحق القانوني للاجئين الفلسطينيين".
وأردفت أكرم أن "خارطة الطريق لعام 2003 لم تُشر إلى القانون الدولي أو إلى حقوق اللاجئين الفردية. وكما في أوسلو فإنها تشير إلى اللاجئين كجزء من مرحلة ثالثة نهائية، تنصّ على التوصل إلى حل شامل ينهي الصراع، عبر مفاوضات تعتمد القرارات 242، و338، و1397 وتنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967، ويتضمن حلاً عادلاً وواقعياً لموضوع اللاجئين". من الضروري أن نفهم، حسب أكرم، وجود إطارين منفصلين، وتمّ استخدام الإطار الأول حتى مفاوضات طابا، المبني على معادلة: الأرض مقابل السلام، المتجسدة في القرارين 242 و338.
أما الإطار الثاني فهو الذي تم استخدامه في طابا وفي مبادرة جنيف، وهو الإطار الذي اعتمد على القرار 194". وأوضحت أن "قرارات مجلس الأمن، لا تشير إلى حقوق قانونية فرديّة للاجئين، والإشارة في القرار 242 إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، ليست واضحة. أما قرارات الجمعية العامة، ابتداء من القرار 194، والذي تعيد تأكيده الجمعية تقريباً كل سنة، لتكريسه كالقانون الأهم فيما يخص حقوق اللاجئين الفلسطينيين، فهو يوفّر إطاراً مفصّلاً يتلائم مع الإجماع القانوني حول حقوق اللاجئين".
[عن صحيفة "العربي الجديد"]