أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في نيسان، قراراً يدعو لاستئناف سريع لمحادثات السلام ووضع حد للعنف في اليمن. ومع ذلك تواصل القتال في جميع أنحاء البلاد مع استمرار الغارات الجوية السعودية التي تستهدف قوات الحوثيين خلال الشهر الماضي والتي يدفع ثمنها المدنيون، وكذلك فإن القوات الحوثية تستهدف الأشخاص أو المجموعات التي تعمل ضدها بما في ذلك التحالف الذي تقوده السعودية. وفي الوقت الذي وعدت فيه المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع بإنهاء حملة القصف التي خلفت 1000 قتيل على الأقل وآلاف الجرحى والمشردين، فان الأمرلم ينته بتسوية سلمية بعد. ذلك أن المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول اليمن، جمال بن عمر، قد استقال من منصبه وصار وصول المساعدات الإنسانية إلى البلاد محدوداً جدّاً. وعلى الرغم من الحاجة الماسة إلى وجود المدافعين عن حقوق الإنسان وعملهم في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن الآن، فإن حياتهم هي أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى، وفقاً للبحث المبين أدناه والذي أعده مركز الخليج لحقوق الإنسان.
الخلفية السياسية
إذا تتبعنا الحالة في اليمن قبل وبعد 18 مارس/آذار2011 -المعروف أيضا بيوم الكرامة- واحتجاجات الشعب اليمني المستمرة منذ ذلك الحين، والتي ابتدأت مع موجة الثورات العربية في المنطقة، فمن الواضح أنه أصبح أكثر خطورة أن تكون مدافعاً عن حقوق إنسان أو صحافياً في اليمن الآن.
إن الحكومة في اليمن، بينما مابرحت تعمل بطريقة ما قبل الفترة الانتقالية، فإنها كانت شديدة الفساد، وأولئك الذين سعوا لفضح الفساد، واجهوا تداعيات مباشرة وغالباً عنيفة. وفي الفترة الحالية من التحول السياسي، فإن الوضع أصبح أكثر تعقيداً والأخطار التي يواجهها أولئك الذين يبلغون عن الأحداث وأولئك الذين ينشرون حملات من أجل العدالة الاجتماعية، قد تكثفت ولا يمكن التنبؤ بها على نحو متزايد. وبعد الصراع الأخير بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين يمكن أن نرى تفكيكاً للقانون الدولي، ومخاطر أعلى للدمار الشامل، وهجمات أكثر تركيزاً على الناس الذين يتحدثون ضد أي نوعٍ من أنواع الانتهاك من قبل أي جانب. إن هذه الهجمات تتراوح بين عمليات الاغتيال والضرب، والحملات عبر الإنترنت على نطاق واسع من الانتهاك والترهيب واستخدام الاجراءات القضائية لقمع الصحافة المشروعة.
إن القصف الذي استمر لأكثر من شهرٍ، والذي بدأته المملكة العربية السعودية في 25 مارس/آذار، أدى إلى مقتل العديد من المدنيين، كما أدى إلى تفاقم الوضع السيء، مما دفع أمل الباشا، رئيسة منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان إلى القول:”صلّوا معنا من أجل السلام في بلدي اليمن والسلام في العالم. قلبي ينزف وروحي تنزف لبلدي والمدنيين الذين نفقدهم يوميا لأسابيع منذ بدء الغارات الجوية على اليمن"
لقد أصبحت أصبحت تدابير السلامة والأمن الأساسية صعبة التحقيق حالياً. "في اليمن،لا توجد أية مساحة آمنة بعد الآن. تفجير المسجد هو مثال واضح على ذلك. كثير من الناس يقولون ان الأماكن المقدسة ستكون آخر مكان يمكن أن نرى فيها مثل هذه المأساة. ومع ذلك، يبدو أن المساحات الأكثر راحة وأماناً تتحول إلى أمكنة مليئة بالعنف بسرعة مذهلة “، ذكرت روج الوزير من#SupportYemen في مقابلة مع مركز الخليج لحقوق الإنسان..
قالت جميلة غالب، ناشطة وكاتبة يمنية :"نحن نتمسك بأي شخص يعطينا الأمل، والوضع الآن يفرض أن نتمسك بأنفسنا فقط، وأن نكون كل شيء قد نحتاج اليه كون كل ما عرفناه وكل ما كنا نتمسك به يتم هدمه".
حرية الإعلام تعاني كما الصحافة التي هي مستهدفة
قالت الوزير: "الحكومة اليمنية المجزأة بين القوى القديمة والجديدة، تستغل نفوذها على وسائل الإعلام للحد من التفكير النقدي والنقاش العام بشكلٍ غير مقبول. هناك ضعف في الساحة الإعلامية المستقلة والذي يحاول الاعتراض وفضح الفساد، ينتهي أمره في نهاية المطاف في السجن. فقد اغتيل الصحفي العريق عبدالكريم الخيواني بسبب ممارسة حقه في التحدث والكتابة، فأعمال العنف ضد الصحفيين المستمرة مقلقة جداً."
رجال مسلجون يركبون دراجة نارية قتلوا الخيواني، الصحفي ورئيس التحرير السابق لصحيفة الشورى، في 18 مارس/آذار قرب منزله، على مايبدو انتقاماً لكتاباته النقدية. وأعلن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مسؤوليته عن جريمة القتل. لمزيد من المعلومات عن الخيواني انظر: http://www.gc4hr.org/news/view/953
يسلط قتل الخيواني الضوء على التهديدات التي تواجه الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يومياً. ُخطف العديد من الصحفيين هذا العام واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي بحسب تقارير نقابة الصحفيين اليمنيين، بما في ذلك محمود طه،الذي تم خطفه يوم 3 أبريل/نيسان من قبل جماعات الحوثيين المسلحة في محافظة عمران. طه وبحسب ما ورد كان يتلقى تهديدات من الحوثيين.
ووفقاً لنقابة الصحفيين اليمنيين، تم إغلاق العديد من وسائل الإعلام واحتُجز العديد من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام بشكل مؤقت. وفي 26 مارس/آذار اقتحمت قوات الحوثي المسلحة في صنعاء مقر جريدة "مصدر" وخطفوا الصحفيين سامي نعمان، أحمد والي ومراد العريفي واقتادتهم إلى جهةٍ مجهولة. وأفرج عنهم في وقت لاحق. كما اقتحم الحوثيون مكتب قناة الجزيرة ودمروا كاميرا المراقبة ونهبوا محتويات المكتب. لقد فعلوا الشيء نفسه لعددٍ من الإذاعات الخاصة والسياسية الأخرى، ومنعت المواقع الاخبارية على الانترنت التي تنتقد تصرفات الحوثيين.
وقبل يوم من الغارات، ووفقاً لمؤسسة حرية للحقوق الحريات والتطوير الإعلامي في اليمن، حذرت وزارة المعلومات الذي يترأسها الحوثيون، وسائل الإعلام أنها ستعمل ضد كل وسائل الإعلام التي ستعارض سياساتها، و"أن هذه التدابير قد تصل إلى إغلاق أية وسيلة إعلامية تعمل على اثارة الاضطرابات". وبحسب تقارير مؤسسة حرية، فإنه منذ تولي الحوثيين السيطرة على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2015، فإنهم ارتكبوا العديد من الانتهاكات الخطيرة والهجمات ضد وسائل الإعلام. "إن حرية الصحافة وحرية التعبير واجهتا تدهوراً خطيراً لم يسبق له مثيل منذ بداية التعددية السياسية في البلاد سنة 1990،" كما قالت المنظمة غير الحكومية.
لقد انحازت وسائل الإعلام اليمنية الى أي من أطراف النزاع بقوة. في مقابلة مع جميلة غالب، أشارت الى أن وسائل الإعلام لها انحيازات واضحة وثابتة. "الأماكن الوحيدة التي يمكن أن تجد فيها أخباراً موضوعية ومستقلة هي صفحات الفيسبوك التابعة للمدافعين عن حقوق الإنسان المستقلين".
وبموازاة ذلك، قالت أمل باشا: "الإعلام تحت حصار مغلق خاصة عند التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. توجد محاولة لإسكات الشعب اليمني، وخاصة المدافعين عن حقوق الإنسان". وتابعت: "أنا لا أصدق ما يحدث في الواقع، خصوصاً أنني علقت خارج بلدي، وحتى لو استطعت أن أعود، فأني سوف أقتل تماما مثل عبد الكريم الخيواني".
المدافعون عن حقوق الإنسان في خطر
إن المدافعين عن حقوق الإنسان النشطين في مجال حقوق الإنسان في اليمن هم تحت التهديد في كل يوم. ويتم التعامل مع مدافعي حقوق الإنسان، سواء تم استهدافهم من قبل أطرف النزاع الداخلي أو الهجمات الخارجية، كما لو كانوا يشاركون في النزاع، حتى في الوقت الذي كانوا فيه ببساطة يمارسون حقهم في حرية التعبير أوحقهم أن يكون لديهم رأي وفي الدفاع عن حقوق الإنسان.
على سبيل المثال، منذ أشهر والصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان سامية الأغبري تتلقى تهديدات وحملات مضايقة ولغة هجومية. وقالت إنها أيضاً قد اتُهمت بالانتماء إلى تنظيم داعش بعد التعبير عن آرائها وانتقاد إجراءات الحوثيين بسبب الضغوط والتهديدات التي تعرضت لها من قبلهم. وكنتيجة لذلك أغلقت صفحتها على الفيسبوك مؤقتاً. انها تخرج دائماً مرتدية النقاب لتغطية وجهها من أجل حماية نفسها فلا يستطيع أحد التعرف عليها. وقد ُكتبت ضدها العديد من التهديدات علناً في الفيسبوك، مثل: "أقسم بالله أن ذبحك سيكون نزهة، لاتظهري وجهك القبيح." إن حالة الأغبري تبرز كيف أن حق الشعب اليمني في حرية التعبير يجري قمعها من قبل كل الجهات. وهي واحدة من عددٍ من الصحفيات والناشطات التي اتهمت باستمرار بالكفر أو كونها "غير مؤمنة" من قبل المتطرفين وذلك ببساطة نظراً للتعبير عن أفكار معينة نتيجة لمعتقداتها السياسية وأنشطتها.
وقد تم نشر العديد من الهجمات ضدها على صفحة الفيسبوك العائدة إلى الإخوان المسلمين في اليمن بالإضافة إلى الصفحات الأخرى التي تعود لبعض الناس الذين لديهم نفوذ في اليمن. من الجدير بالذكر أن صفحة الإخوان المسلمين على الفيسبوك ترتبط ببعض أعضاء حزب الإصلاح اليمني.
"كل من يقف ضدهم، سوف ُيتهم بالكفر وتفسد حياته المهنية وسمعته، من أجل أن يتخذ المجتمع موقفاً سلبياً تجاه ما يقوله أو ما يكتبه الصحفيون والناشطون،" قالت الأغبري. وأضافت: "إن هناك حملة منظمة ضد كل امرأة لا ترغب بأن تخضع لأفكار الآخرين."
يتعرض للتهديد أيضاً وباستمرار أخرياتٍ من النساء المدافعات عن حقوق الإنسان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الهاتف وواجهن حملات تشويهٍ، مثل ماجدة الحداد، التي فرت مؤخراً من البلاد بعد تلقيها تهديدات عديدة. في عام 2012، قالت الحداد إنها تعرضت لهجومٍ من قبل رجل في منزلها حيث قام بتغطية فمها بيديه لكنه فر بعد استيقاظ أطفالها على صراخها. قالت الحداد إنه منذ استيلاء قوات الحوثيين على العاصمة صنعاء، فإن المدافعين عن حقوق الإنسان، والمتظاهرين والصحفيين “يتلقون التهديدات، ويتعرضون للخطف والتعذيب من قبل بعض المسؤولين في الحكومة،" وكذلك من قبل الجهات الأخرى غير الحكومية.
في العام الماضي، الحداد والناشط عدنان مدني كانا يعملان معاً في حملة بدأتها الحداد ضد الفساد في وزارة الكهرباء والطاقة وكذلك التجار عبر نشر وثائق وتنظيم عدة مواقف واحتجاجات واعتصامات من أجل قيام الحكومة بالتوقف عن توقيع عقود لشراء الطاقة. وبسبب هذه الحملة تم تهديدهم بالملاحقة القضائية باستمرار. عانى مدني، الذي كان في اليمن، من هجوم بالأسيد، مما أدى إلى فقدانه البصر بإحدى عينيه.
الرجال والنساء من المدافعين عن حقوق الإنسان على حدٍ سواء وضعوا أنفسهم وأسرهم في خطرٍ، من أجل الإبلاغ عن الأوضاع في اليمن. إن محمد العبسي على سبيل المثال، هو صحفي يمني معروف. قام مسلحون مجهولون في صنعاء بمداهمة منزله حيث تسكن أسرته، في حين كان بعيداً بمصر. وكان العبسي يتحدث عن الوضع الاقتصادي والسياسي في اليمن على قناة سكاي نيوز العربية قبل المداهمة. في وقتٍ سابق من عام 2012، اتُهم العبسي بالتشهير بسبب مقالٍ كتبه حول الفساد وسوء الإدارة داخل المجتمع المدني اليمني. إن هذه الأنواع من التهديدات يمكنها إسكات المدافعين عن حقوق الإنسان الذين من حقهم التمتع بالحماية أثناء ممارستهم حقهم في حرية التعبير.
ان الوضع الحالي في اليمن من حيث سلوك بعض الفئات والأفراد نحو كل من يجعل رأيه معروفاً، يلحق ضرراً ويخرب سمعة الصحفيين والنشطاء لا سيما النساء منهم. سوف تستمر هذه الحالة ما لم يتم وضع إجراءات فعالة ضد خطاب الكراهية والتشهير حيث أن العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمدونين يواجهون الموت والخطر من الهجمات يومياً.
لقد أدت الاشتباكات الداخلية إلى تغيرات كبيرة وجذرية في حالة حقوق الإنسان في اليمن، ولكن ما هو أسوأ من ذلك يكمن في التهديد الخارجي الذي يعرض أي شخص للاستهداف، حتى ولو كان مدنياً. وقد أظهرت المدافعة عن حقوق الإنسان علياء الشعبي باستمرار مخاوفها من الاستهداف الفوضوي للغزو الذي تقوده السعودية. فهو قصف المدنيين، المدارس، الأماكن المقدسة، الخ، فتفاقمت قائمة الإنتهاكات للقانون الدولي الإنساني. إن الوضع محفوف بالمخاطر من جميع الجهات، فالمدافعون عن حقوق الإنسان في اليمن يشعرون بالعجز تقريباً ولكن رغم ذلك يحاولون باستمرار القيام بخطوات يمكن أن تؤدي إلى حل النزاعات وبناء السلام حتى في الوقت الذي ُيقتل فيه أحد أفراد اسرهم. وذكر أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في مقابلة خاصة مع مركز الخليج لحقوق الإنسان: "ُقتل أخي. لكن ما زلت أحاول التفاوض مع نفس الجهة التي قتلته ومع الطرف الآخرأيضاً من أجل مستقبل أفضل.”
التوصيات
قالت وميض شاكر، وهي مستشارة جندر محلية ومدافعة عن حقوق الإنسان في اليمن:"نريد أن تلتزم القوى المحلية الخاصة بنا بخطاب السلام والمفاوضات. يجب على القوات في اليمن أن تشجع محادثات السلام. نضالنا ليس لتغذية الصراعات، ولكنه لتخفيف وحل النزاعات. إن مشاركة المرأة في مثل هذه المفاوضات هو مفتاح أساسي".
في مارس/آذار، دعت جماعات المجتمع المدني العربي الملتئمة في قبرص بورشة عمل حول الجندر واللاعنف، الجامعة العربية والدول الأعضاء إلى "ضمان عودة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على حل سياسي سلمي، مع مشاركة فعالة للمرأة، كما دعت للالتزام بنتائج مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الفترة الانتقالية اليمنية." لقد طلبوا الدعم من أجل "إعطاء الأولوية لسلامة الشعب اليمني، حماية أرواحهم وممتلكاتهم، والنسيج الاجتماعي، والأخذ بعين الاعتبار الوضع الإنساني المتدهور للمدنيين. ومن المتوقع أن الأزمة الإنسانية تزداد سوءاً فقط مادامت الهجمات مستمرة." لمزيدٍ من المعلومات الإضافية:
كان هناك فشل ساحق من قبل الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي لمنع الهجمات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان على نحو فعال والتحقيق فيها أو معاقبة مرتكبيها. ويدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان المجتمع الدولي لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين في اليمن والحفاظ على سلامتهم من الأذى أو الموت.
يدعو المركز أيضاً جميع أولئك الذين هم طرف في النزاع في اليمن إلى:
١) وقف الحرب الجارية، حماية أرواح المدنيين، والبدء بالحوار فوراً؛
٢) احترام حرية التعبير من قبل كافة أطراف النزاع؛
٣) إطلاق سراح كافة المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين وضمان سلامة الصحفيين؛
٤) إجراء تحقيق فوري وحيادي وشامل حول مقتل عبدالكريم الخيواني وغيرها من الجرائم ضد حقوق الإنسان التي ارتكبت في اليمن بهدف تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة وفقاً للقوانين المحلية والمعايير الدولية .
المصدر