Quantcast
Channel: Jadaliyya Ezine
Viewing all articles
Browse latest Browse all 5217

إعادة ابتكار فلسطين: السينما من أجل السلام في جنين

$
0
0

[ هذه المادة هي جزء من ملف خاص بعنوان "كبرت النكبة". وهو ملف متنوّع حول نكبة فلسطين ستقوم "جدلية" بنشره على مدار الأسبوعين القادمين.]

بمبادرةٍمنمخرجالأفلامالوثائقيةالألمانيماركوسفيتر،وبدعممهممنوزارةالشؤونالخارجيةالألمانيةأُعيدافتتاحسينماجنين، فيشهر آب (أغسطس) عام 2010،  بعد أكثر من عشرين عاماً على إغلاقها. وقد روج لها كـ"سينمامنأجلالسلام"،تمنحالأمللسكانجنين. فيالمقالةالتاليةتناقشإريتنايدهاردالتعاريفالمختلفةلفكرةالسلامالمستخدمةفيسياق "الصراع"الإسرائيليالفلسطيني،بالإضافة إلى طرق حلّهذا "الصراع". كما تشككنقدياًفيإمكانيةإسهام "سينماجنين"في "السلام".(1)

افتُتحت سينما جنين في الخامس من  شهر آب (أغسطس) وكانت الصحافة، وخاصة الألمانية، في ذروة حماسها :"البركة تعم جنين.  السينما تُحضر الأمل: مخرج الأفلام الوثائقية الألماني ماركوس فيتر يحارب الإرهاب في الضفة الغربية"، عبارات كهذه تصدَّرت العنوان الرئيسي لجريدة دِرتاغيس شبيغلالبرلينية في الخامس من  شهر آب (أغسطس) 2010. في اليوم نفسه خصّصتْ صحيفة سود دويتش تسايتونغصفحتها الثالثة المشهورة لحدث افتتاح السينما واضعة فيتر في محور القصة . يروي الريبورتاج كيف أنه من خلال السينما سيتم التغلب على المقاومة ـ التي تُساوت مع الإرهاب ـ وستُرتّب لقاءات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما كتبت الصحيفة النمساوية دايبريسفي 1 آب (أغسطس):" سينما جنين. حلم بمدينة جديدة.  اعتُبِرت جنين "معقلاً للتطرف" في الضفة الغربية.  وستتغيّر هذه الصورة من خلال صالة سينما أعاد بناءها مثاليون، بعد أكثر من عشرين عاماً، بمساعدة ألمانية". وهلّلتْ الغارديانمن لندن في 5 آب (أغسطس):" تنطلق ثقافة في الضفة الغربية عندما تفرش سينما جنين السجادة الحمراء".

إن حجم التوقعات المرجوة من السينما كبير.فمن المتوقع أن تقوم السينما بمنح الناس أملاً و تزويدهم بخطط مستقبلية بالإضافة إلي تهدئة  "معقل التطرف".  وبالفعل فإنه منذ بداية الألفية الثالثة أصبحت جنين مكاناً مصدِّراً للعديد من الاستشهاديين الفلسطينيين. إلا أن أيّاًٌ من المقالات الثلاث لم تسأل عن سبب هذا التطور؟ أو لماذا لا يريد النقاد المحليين لمشروع السينما، والذين يُذكرون عادة بشكل عابر, لا يريدون التعاون مع إسرائيل، إضافة إلى ذلك تجاهلت المقالات مساءلة علاقة إسرائيل بهذا الموضوع أصلاً.

وعلى الرغم من أن المجزرة التي ارتُكبت في معسكر جنين للاجئين سنة 2002 (2) ذُكرتْ في كثير من المقالات، إلا أنه لم تُذكر أية علاقة بين الأشكال المتنوعة للاحتلال المستمر، والمقاومة ضد حتى ولو كانت مُستنفدة.

ما هو االهدف من بناء السينما؟ وماهو أساس الأمل في السلام المبني عليها؟ ما الذي تعنيه  كلمة السلام؟ ربما كان الخطأ الجوهري في عملية التفاوض برمتها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1991، هو الذي أدى أن تبقى هذه الكلمة الأساسية غير معرفة أبداً من قبل الطرفين. ففي اتفاقيات أوسلو (3)، التي صيغت على أنها اتفاقيات مؤقتة، والتي رغم ذلك غالباً ما تُدعى اتفاقيات سلام في الإعلام، لم تشر بشكل رئيسي إلا إلى مصالح اسرائيل السياسية والاقتصادية . فضلاً عن ذلك، تتعامل الاتفاقيات مع تأسيس البنى الفلسطينية الإدارية والاستقلال الذاتي الجزئي، إلا أن درجة هذا الاستقلال تعتمد على ضمان الإدارة الفلسطينية للمصالح الأمنية الإسرائيلية. والواقع أن "الاستقلال" الجزئي سبَّب اقتطاع الأراضي حين أُنشئتْ الحدود حول المدن المستقلة. وقد سبّب هذا من ناحية أخرى انهيار الاقتصاد الفلسطيني، والذي كان أصلاً سيئاً جداً بعد كل هذه العقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي. 

الالتزام بضمان أمن المحتل

قاد التزام السلطة الفلسطينية بضمان أمن إسرائيل إلى إنشاء العديد من الخدمات الأمنية المنافسة منذ  1995، مما زاد من عدم الثقة، وأضعف التضامن بين السكان الفلسطينيين. ذلك أنّ الاعتقالات العشوائية للفلسطينيين من قبل أجهزتهم الأمنية هي على الأجندة الآن، وتتحدث المعارضة عن تهديد دولة بوليسية (4)

ومع بداية الانتفاضة الثانية حاولت فئات من السكان مقاومة كُلاٍّّ من الاحتلال وسياسة السلطة الفلسطينية. إلا أن الوحدات شبه العسكرية للأجهزة الأمنية الجديدة 5هيمنت على الانتفاضة، مما أدى إلى انهيارها كانتفاضة شعبية. وسبّبتْ نتائج الانتخابات الديمقراطية المعترف بها في الأراضي الفلسطينية في 25 كانون الثاني (يناير 2006) غضباً دولياً، ولم تعترف معظم الدول بحكومة حماس المنتخبة بشكل قانوني، وجمّد الاتحاد الأوربي الهبات للمنطقة. وبتوجيه من الفريق كيث دايتون المنسق الأمني الأميركي للأراضي الفلسطينية، والذي أرسلته الولايات المتحدة في أعقاب الموقف الذي يشبه الحرب الأهلية بعد الانتخابات، عيَّـنَ الرئيس عباس سلام فياض كرئيس ٍ للوزراء في حزيران (يونيو) 2007، وثبَّته في منصبه في أيار (مايو) 2009. ولم يحصل حزب فياض المسمى حزب الطريق الثالث إلا على 2,41% من الأصوات.  عُلِّقتْ الانتخابات الرئاسية لسنة  2009؛ ولم يعد عباس في منصبه قانونياً بعد ذلك.

وفي ضوء هذه التطورات أصبح مفهوما لماذا التعريف الإسرائيلي ـ الأميركي ـ الأوربي لفكرة السلام وتأويلهم للديمقراطية، لا يُنظر إليهما كإيجابيين، ولا يُعدّان مرغوبين من الجانب الفلسطيني.  

قلبجنين

ينبغي البحث عن فكرة السلام الكامنة في قلب سينما جنين في فيلم ماركوس فيتر "قلب جنين" (ألمانيا 2008, 96 دقيقة،مساعد مخرج ليون جيلير). فاز الفيلم بجوائز عديدة، بينها جائزة الفيلم الألماني لأفضل فيلم وثائقي. وكانت تغطية الصحافة إيجابية جداً، إذ لم يتجاوز النقد السلبي استخدام الموسيقا في الفيلم.

يروي "قلب جنين" قصة اسماعيل خطيب، الذي أصيب ولده البالغ اثني عشر عاماً من العمر برصاص الجنود الإسرائيليين في رأسه في معسكر جنين للاجئين الفلسطينيين سنة 2005. أطلق الجنود النار على أشخاص مشتبه بهم من مسافة أكثر من 100 متر، وظنوا أن الطفل الذي كان يلعب ببندقية بلاستيكية راشد. أحضر الجيش الطفل الذي كانت إصابته بالغة إلى المستشفى في حيفا.  وبعدما تبين أنه توفيقرر الوالدان، بطلب من الممرّض، أن يتبرعا بأعضاء الابن. وبعد عامين انطلق فريق الفيلم والأب في رحلة عبر إسرائيل لزيارة ثلاثة من الأطفال الذين تم إنقاذهم من خلال أعضاء الولد (أحد الأطفال توفي بعد الزرع، وأرادت أسرتان أن تبقيا مجهولتين).

يتابع الفيلم في سرده قصة إسماعيل خطيب: الطلقات على ابنه والقرار بالتبرع بالأعضاء، الحياة تحت الاحتلال ومجزرة 2002، ماضيه كمقاتل في المقاومة، وعمله الاجتماعي في مركز السلام للأطفال والشبان اليوم. إن الرحلة لزيارة الطفل المُنْقَذ هي ذروة القصة وكانت المقابلة بين خطيب وبين عائلة متديّن يهوديّ متشدّد  العنصرالدراماتورجي ّ في الفيلم. ينتهي الفيلم بعودة خطيب إلى جنين، حيث وزّع الحقائب المدرسية، التي تبرعت بها عائلة الفتاة التي حصلت على القلب، على أطفال مركز أحمد خطيب للسلام.  وكان من الممكن أن يتم إنشاء المركز بتبرعات من مدينة كونيو الإيطالية، التي أرادت دعم عمل خطيب السلمي المتواصل بعد أن سمعت بتبرعه بالأعضاء.  

وتُظهر المادة الأرشيفية المتعددة والمستخدمة في الفيلم على نحو رئيسي قصة التبرع، والتي سُمِّي الفيلم على أساسها، والطريقة التي عامل بها الإعلام القضية. حيث تعلن الأنباء الإسرائيلية أن والد فتى فلسطيني، أطلق عليه الجيش النار وهو يلعب، تبرّع بأعضائه لأطفال إسرائيليين. ثمة صورة تُظهر أم واحد من الأطفال المتلقين للأعضاء  قبل عملية الزرع. كما تركز الكاميرا على الطفلة الـمتلقّية للعضو وهي تحت التخدير والتي تنزف على نحو خفيف من الأنف ، وعلى أمها المذعورة أيضاً. وأظهرت الكاميرات الوالدين أيضاً في وقت الانتظار المنهك في رواق المستشفى أثناء العمليات الجراحية. ويقترب صحفي من رجل دين يهودي متشدد ويسأله إن كان يعرف من هو الواهب. وبينما كان من الواضح أنّ الصحفي يعرف الجواب توضح أنّ الأب لا علم له ، لأنه فيما بعد في الفيلم، أثناء التحضير السردي للقاء إسماعيل خطيب مع هذا الأب سُئل لماذا لم يرغب أن يكون المتبرع بالأغضاء لابنه عربياً.

يركز المخرجان على العنصرية المتضمنة في جواب الأب ويقارنانها مع تسامح خطيب. إلا أن خطيب طلب الإذن من مفتي جنين وكذلك من زكريا الزبيدي، الذي كان قائد كتائب الأقصى آنذاك في جنين، كي يتبرع لطفل يهودي. بدون كلمة وصوت وتنقيح يتحدى المخرجان الضجيج الإعلامي حول زراعة الأعضاء وكيف سُمح للصحفيين بالدخول إلى منطقة انتظار الوالدين؟ إلى غرفة التهيئة للعملية؟ ولماذا يعرف الإعلام عن هوية المتبرع؟ ولماذا رُتِّبَ مؤتمر صحفي بحضور إعلامي مكثف،  بعد الزراعة حضره الطفلان اللذان أُنقذا ووالدا الطفل القتيل؟ يقدم الفيلم كلَّ هذه المعلومات، دون أن يحاول الإجابة على هذه الأسئلة، حيث يبدو أن المخرجين والمنتجين ولجنة تحكيم الجائزة، أو نقاد الفيلم، لم يطرحوا هذه الأسئلة.

إن زرع الأعضاء موضوع حساس بحد ذاته. ذلك أنّ تعريف موت الدماغ غير واضح وليس خارج عن الجدل.(7) حيث أنّ أقرباء واهبي العضو ومتلقيه يعيشون تحت عبء نفسي هائل.8ولذلك في ألمانيا يفرض قانون زراعة الأعضاء الألماني أن يظل المتبرع والمتلقي مجهولين. ويقرُّ علماء اللاهوت المسيحيون والفقهاء المسلمون في معظم الأحيان بموت الدماغ، وبالتالي يوافقون جوهرياً على زرع الأعضاء. وقد نشرتْ وزارة الصحة الألمانية المفهوم اليهودي الأرثوذكسي والذي بحسبه إن موت الدماغ، الذي يعني أن القلب ما يزال يخفق، لا يُقَرّ به كموت، وهكذا فإنّ التبرع ببعض الأعضاء مستحيل. (9)
وفي إسرائيل، حيث قوائم انتظار عمليات الزرع أطول من  أي بلد غربي آخر والجاهزية للتبرع هي أكثر انخفاضاً بشكل معتبر , وافقت الحاخامية الرئيسية على عمليات الزرع رغم أن هذا التأويل للشريعة الدينية ليس محل إجماع. (10) وأدى الانخفاض في عدد المتبرعين إلى "ازدهار تجارة" الأعضاء البشرية برعاية من الدولة إلى أن تغيّر القانون سنة 2008. (11)يدعو الخبراء إلى أسس قانونية محددة فيما يتعلق بزراعة الأعضاء في الدول والمناطق غير المستقرة سياسياً واقتصادياً ومن ضمنها إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. (12)

"أَربكسلوكيالإنسانيالإسرائيليين" 

إن موقف الفيلم اللانقدي وغياب النقاش للمسائل المعقدة المتعقلة بزرع الأعضاء، يمنحان الفيلم بنية تُصوِّر اسماعيل خطيب كبطل. فمن وجهة نظر المؤلف وعبر تتبّع بنية الفيلم فإنه يقدم مثالاً للسلام، وقد عُبِّر عنه في تكريس جسم أحمد خطيب من أجل حياة الإسرائيليين؛ وهو في هذا يعبّر عن فهم مسيحي كامل للتضحية (13)

يرى الأب عمله في مركز أحمد الخطيب للسلام كمقاومة ": نقاوم عبر التربية، هذا ما أؤمن به". (الدقيقة57) وسأل زائرمن مدينة كوينو في إحدى زياراته إلى منزل اسماعيل خطيب: ما الذي يعنيه فقدان الأخ بالنسبة للأطفال؟ هل من المحتمل أن يصبحوا هم أيضاً شهداء؟ أجاب خطيب ": طالما نحن نعيش تحت الاحتلال فإنّ أي شيء ممكن" (الدقيقة59). وشرح في المحادثة التالية مع فيتر:"يستطيع المرء أن ينتقم لمقتل أخيه أيضاً بطريقة مختلفة، عبر فضح المحتلّ أمام العالم كلّه. يستطيع المرء أن يفعل ذلك من خلال الموسيقا أو الرسم. لا يحتاج المرء إلى أن يقتل جندياً من أجل ذلك. لقد أربك سلوكي الإنساني الإسرائيليين, وهذا شيء أكثر أهمية من قتل جندي. هل تعتقد أن الإسرائليين أحبّوا ما فعلْتُهُ؟ لا, لم يحبوا ذلك. كانوا يفضّلون لو أنني فجّرتُ نفسي. كانوا سيُفضّلون ذلك كثيراً. كانوا سيفضّلون أن يقتل فلسطينيٌّ طفلاً بدلاً من أن ينقذه"      (الدقيقة 60).

هناك أمر إضافي يجعل الأمور أكثر تعقيدا وهو أن طفلان من الأطفال المتلقين لتبرعات الأعضاء، هما أبناء لعائلات فلسطينية، من داخل الأراضي المحتلة عام 1948. 14  ونلاحظ أن الاستعمار الصهيوني لفلسطين وبمؤسساته الإسرائيلية يستخدم مصطلحات مختلفة للتعريف بهوية الفلسطينين كجماعات وليس كشعب فهو يتحدث عنهم كـ "بدو ودروز إلخ". ولا يهم إلى أي "مجموعة أو دين" ينتمي الفلسطيني حامل الجنسية الإسرائيلية، التي فرضت عليه، بنهاية المطاف ينظر إليهم كتهديد ديموغرافيّ "للدولة اليهودية". كما أنهم مهمشون في الخدمات التي يحصلون عليها بما في ذلك الخدمات الصحية، وسنعود إلى هذه النقطة لاحقاً. 

أما فيما يتعلق باليهود المتشددين والمحافظين والذين تنتمي إليهم عائلة الطفل الثالث، فهم لا يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وعامة غير محبوبين من قبل العلمانيين كما يرفض قسم منهم قيام دولة إسرائيل لأسباب دينية، ويعيش عدد ليس قليلاً منهم من معونات الدولة ويدرس الكثير من رجالهم في المدارس الدينية. 

وهنا علينا أن نتطرق للسؤال حول السبب وراء حصول  العائلات الثلاثة بالذات على التبرعات بالاعضاء دون غيرها، حيث أن الأطفال الثلاثة ينتمون إلى "المجموعات" المهمشة، مع الاختلاف في نوعية وكيفية هذا التهميش وظروفه.  (لا نعرف خلفية ثلاثة من الأطفال) . أولاً: التفضيل بأن يكون المتبرع والمتلقي للأعضاء ضمن نفس المجموعة الدينية أو القومية، ثانيا كلفة الرعاية الصحية. إن عمليات زراعة الأعضاء تخفض مصاريف دعم الدولة المالي للصحة. فمثلاً عملية زراعة الكلية تغني عن التكلفة الباهظة لغسيل الكلى. وهنا يجد الذكر أن الفحوصات الشهرية التي على متلقي الأعضاء القيام بها مدى الحياة إضافة إلى الأدوية تبقى كلفتها منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بتكلفة غسيل الكلى. (15) أما الرعاية الصحية للفلسطينيين حاملي الجوازات الإسرائيلية، فإنها تعاني من اهمال ونقص في التمويل.  أضف إلى ذلك فإن القرية البدوية التي ينحدر منها الطفل محمد متلقي العضو، هي من القرى الفلسطينيية غير المعترف بها، وهي قرى لا تصلها حتى الخدمات الصحية.  (16).  وعلى الرغم من قوائم الانتظار الطويلة جدا للحصول على التبرعات بالأعضاء حصل الصبي محمد من القرى الغير معترف بها على العضو. وحصلت الفتاة على القلب، على الرغم من أنه لم يكن مخصصاً للتبرع به. كما يبقى حماس الإعلام الإسرائيلي والضجيج الذي أثاره حول "المتبرع القادم من الضفة والنقذ لحياة الإسرائيليين" لغزاً قد يُحلّ في مكان آخر.

إنّ قصة المصالحة في فيلم "قلب جنين" هي فنتازيا يقوم الفيلم نفسه بدحضها عند تقديمه لتصريحات الأب حول التبرع بالأعضاء. فضلاً عن ذلك، فإن الفيلم لا يتطرق للواقع السياسي والقانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 و1967  ولم يربط الفيلم  هذه العلاقات بشكل نقدي مع قصة التبرع.  وهذا يجعلنا نشكك بمدى صلاحية القصة "كرمز للسلام عبر المصالحة". وعلى الرغم من ذلك، لا يمكننا أن ننكر أن الإثارة والضجة الإعلامية التي أثارها الفيلم أجّجتْ حماس كثير من الناس لـسينما جنين. سهّلتْ جمع التمويل وحوّلت فيتر إلى خبير في المسائل الفلسطينية، إلى درجة أن وزارة الشؤون الخارجية الألمانية انضمت إلى المشروع كراع رئيسي، وتبرع روجر واترز من "بينك فلويد" بالتجهيزات الصوتية للسينما. وقد زار وفد أعمال من الولاية الفيدرالية الألمانية براندنبرغ السينما، وسلّم رئيس وزرائها ماتياس بلاتزيك بشكل رمزي حجر الأساس للسقف الشمسيّ الذي تبرعت به شركتان من براندنبرغ. كما تصور وزير الخارجية الألماني آنذاك فرانك والتر شتاينماير مع فيتر وخطيب، وهما صاحبي مبادرة "سينما جنين". وصار المشروع عنواناً لمبادرة جهمورية ألمانيا الفدرالية والسلطة الفلسطينية لـ المستقبللفلسطين، وتدعم مشاريع "تفيد مباشرة الشعب الفلسطيني وهكذا أيضاً من شأنها أن تحفّزه على دعم عملية السلام الهشة والطويلة". (17)

 كلمة "سلام"ليستعلىرأسالأجندة

أصبح من الممكن قراءة كيف تنوي "سينما جنين" أن "تدعم السلام" في التقارير الصحفية العديدة. في هذا الصدد قال فيتر:" كلمة سلام ليست على رأس الأجندة. ويمكن لقوة السينما أن تساعد في دفع السلام قدما. وعلى المرء أن يشكلها بطريقة يمكنه من خلالها الوصول إلى نفس مستوى العالم، وخاصة إسرائيل". .يعتقد فيتر أن هدفه سيتحقق إذا عالج الفلسطينيون مشاكلهم عبر الأفلام، مشاكل كالعنف الأسري ودور المرأة.  ويؤكد على أن "النقد الذاتي هو المفتاح لتأسيس دولة فلسطينية ". (18)

كان دور المرأة منذ عقود موضوعاً محورياً في السينما العربية والفلسطينية كذلك. وعلى سبيل المثال يمكن أن نرى ذلك بأفلام ميشيل خليفي "الذاكرة الخصبة" (1982) و"عرس الجليل" (1987) و"زنديق (2009). إنّ فيلم توفيق صالح "المخدوعون (1972)" والذي يتبنى رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس"، يمكن أن يُنظر إليه كعمل كلاسيكي للنقد الذاتي. وسمّى صبحي الزبيدي فيلمه عن العنف ضد النساء في الأراضي المحتلة  "نساء في الشمس (1998)" مما يذكّر بالعنوان الشهير لكنفاني. إن مشكلة فلسطين ليست الافتقار إلى النقد الذاتي، أو أنه لا أحد يناقش دور النساء حتى الآن، إنّ مشكلتها هي الاحتلال والسلطة الفلسطينية، التي لم تعد مُفوّضة ديمقراطياً.

يريد فيتر أكثر من مجرد سينما, حيث قال "نريد أن نحاول تأسيس صناعة فيلم سينمائي فلسطيني هنا، باستديو خاص للدبلجة، وغرف تحرير، وشركة توزيع أفلام، ومختبرات لوضع الحاشية السينمائية".  إن معظم الأفلام توضع حاشيتها أو تُدبلج في مصر، ومعظم الأحيان بنوعية سيئة. وتابع فيتر قائلاً "نريد أن نعيد للناس هنا ثقتهم بأنفسهم، ولدينا الإمكانيات كي نجعل أموراً كثيرة مختلفة أكثر عما هو الأمر في بقية العالم العربي". (19) إذا كان المميّز في سينما جنين هو أنه لا يوجد صالات سينما أخرى في الضفة الغربية عدا في رام الله ونابلس، فمن سيكون زبائن توزيع الفيلم؟ وفيما يتعلّق بالخدمات حصلت مصر على مختبرات جديدة، وكذلك بيروت، و تُزوِّد مدينة دبي الإعلامية في المنطقة الحرة المنطقة برمتها. فضلاً عن ذلك، فإن وحدة دعم بناء المقدرة "يوروميد أوديوفيجوال III" بدأت عملها. إن مشروع المساعدة الأوربية هذا والبالغ 4,5 مليون يورو مصمم لتطوير وتقوية صناعة السينما في بلدان حوض المتوسط الجنوبية، وكذلك لدعم التجارة الحرة بالمنتجات والخدمات السمعبصرية بين الاتحاد الأوربي ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. (20). إذا فإنه أمر يتعلق بالدرجة الأولى بحماية النفوذ السياسي والاقتصادي على  أعلى مستوى سياسي. دشّن سينما جنين رئيس الوزراء سلام فياض، وكان  فيلم فيتر "قلب جنين" على لائحة الأفلام. 

زكريا الزبيدي، القائد السابق لكتائب الأقصى، والذي شوهد في الفيلم، فيدرس العمل الاجتماعي بعد حصوله على عفو، وقد يصبح مدير السينما. "إنّ زكريا  شخص شجاع، ومعه يستطيع المرء أن يمدّ اليد لإسرائيل"، اقتبست  جريدة يوديشيه-ألغماينيه كلام فيتر قبل الافتتاح. (21) دعمتْ مجلة الصناعة الإلكترونية kino-zeit.de سينما جنين وسألت في تقرير بعد الافتتاح:" سينما جنين: هل تنجح الرؤية "سينما من أجل السلام"؟ (22) وقالت عن الزبيدي، والذي كان حاضراً في ندوة في إحدى مناسبات مهرجان التدشين: "وبرفضه الواضح وغير المتبدّل لدولة إسرائيل، وإعلانه أنه لم يتغير أي شيء، وأن الاحتلال يمكن أن يُشعر به أيضاً دون وجود الجنود الإسرائيليين، وأن السينما بالنسبة له، تمزج إيجابياً بين احتمالات الثقافة والفن والمقاومة" فهو يحدد النبرة، مما فاجأ المسؤولين عن سينما جنين، وخاصة الألمان، الذين من المؤكد أرادوا نبرات أكثر "مصالحة" في الافتتاح. (...) إن الأوربيين، وخاصة الألمان، مرة بعد أخرى، تحدثوا عن السلام بينما يتحدث الفلسطينيون عن حريتهم".  (23) 

تبدو فكرة سينما جنين والوقائع على الأرض كعالمين متوازيين.  لكن الأهم أنه لم يتم حتى تعريف المقصود بكلمة "سلام". ومن الواضح أن الجانب الألماني يعدّها تصالحية، في حين إن أفكاراً كالمقاومة والحرية تنتمي بشكل طبيعي إلى كلمة "سلام" بالنسبة للجانب الفلسطيني. ويتضح أنّ ما يُعد مثلاً أساسيا لأحد الجانبين لا يمثل حلاً جيداً للجانب الآخر في هذا المقتطف لمجلة زايت الإلكترونية:" يقلق الناس أيضاً في البلدة من أن السينما يمكن أن تكون تقدمية جداً، وتبالغ في موضوع الانسجام مع إسرائيل.  حتى فيلم فيتر "قلب جنين"  قد اعتبره كثيرون أنه قد شطط بعيداً حيث قال فتى جاء إلى الافتتاح من الضواحي "لا أعرف لماذا علينا أن نمنح الإسرائيليين قلوبنا ورئاتنا كي نبرهن لهم أننا نريد السلام". (25)وقد استطاع الفتى أن يلتقط بحذق الأمثلة في الفيلم حيث قال "قلب جنين " كان موت أحمد خطيب، هو الذي جعل الحياة "الإسرائيلية" ممكنة".


Viewing all articles
Browse latest Browse all 5217

Trending Articles