الشاعرة الأميركية لورين كلاينمان: قصائد مختارة
ترجمة: أسامة إسبر
أشياء قابلة للكسر
مطبخي
هو الشيء الوحيد الموجود،
يتألّف من غرفة واحدة،
ترتفع عالياً
فوق خطوط الصّدع في نيو جيرسي.
كلُّ الأشياء التي يحتوي عليها
داخل جدرانه
ترتفع حولي،
فيما أجلسُ إلى طاولةٍ زجاجية
على كرسيّ القش،
أحتسي كأساً من النبيذ.
السَّقف نظامهُ الشمسيُّ الخاص.
تتحلّقُ الأضواء
حولي كالنباتات،
وتدورُ حول قطتي.
يوماً بعد يوم،
أجلسُ في المطبخ،
آكل، أدخّن، وأشرب
وحيدة.
أنا الفتاة الوحيدة في العالم،
التي تختبئ في الخزانات
إلى جانب الأشياء القابلة للكسر.
ابق مبتسماً
في ليال كهذه،
ينعطفُ الطريقُ في الظلام،
وتتراءى الخطوط البيضاء
المدهونة على الإسفلت
كنتف عظامٍ متناثرةٍ،
يصفرُ الهواء عابراً
من النافذة المفتوحة،
تُصْدرُ الأشجار حفيفاً بريشها،
وتتوهّج الموسيقا كالنجوم،
كالنجوم الصاخبة.
المقعد دافئٌ من بنطلونك الجينز
والابتسامةُ مشرقةٌ على وجهك
أشعرُ كما لو أنها مثل أوّل ابتسامة
قمتَ بها.
تبدو جيدة
جيدة بحيث تواصل الابتسام،
تحملها هناك،
تلك الابتسامة المعقوفة
وتحدق أمامك
عبر الزجاج الأمامي.
تمعنُ النظر في الليل
نحو شيءٍ ما تراه،
تتعرّفُ عليه
أمامك،
كما تتعرّف
على شخصٍ تعرفهُ،
تحدّقُ،
تبتسمُ،
وتسوق عابراً له،
عابراً فيه
وهو يعبرُ فيك،
فيما يعبركما الليل.
تشعلُ سيجارتك الأخيرة،
تتقاسم عود الثقاب مع الريح،
الريح تصفر
فيما أنت تسوق.
52 والنت كريسنت
سأشتاق إليك أيها البيت. سأشتاق إلى كراسيك وسط الغرفة الكبيرة الباردة في منتصف الشتاء البارد. أيها المنزل، سأشتاق إليك. سأشتاقُ إلى الشقّ الذي في الأرضية، إلى كرات الغبار الرمادية من فمك المفتوح الواسع. حين أغادرك، تلحّ عليَّ فكرة المجيء إلى المنزل إليكَ والرغبة بك. أيّها المنزل، سأشتاقُ للشمس على جسدي عبر النافذة المشقوقة، عبر الستارة البنية. سأشتاقُ إلى انفجار حرارتك وبرودة جوّك، إلى صوت دوران الغسيل في الغرفة حيث تخيّلت أنني سأطوي ثياب حبيبي.
أيها المنزل. المنزل. المنزل. أتنهّدُ كلما ردّدتُ هذه الكلمة. كما لو أنني أذكر أمّاً ميتة، أو أرثي طفلاً ميتاً.
منزلي، العذْب والنظيف، درّاقةٌ طازجةٌ بين أسناني.
الجسد قصيدة
بشرتي صفحةٌ بيضاء. عيناي، سطْلان من ترابٍ بنيٍّ. لا أبكي بعد الآن فوق منحنياتي. أغذّي جسدي بالتفاح والإجّاص والكوسا. أغذيّه بالجلوس والنزهات، أغسلُ عرق تماريني بحمام دافئ معطّرٍ بالخزامى. الحمّام بحيرة من حلم.
اذهبْ الآن. هذا الجسد لا يكرهُ نفسه. لا شيء هناك للاستهلاك سوى الحب.
جسدي يغنّي لي كي أنام. جسدي أرضٌ، حصى، أغصانٌ وعلّيق.
أفحصُ جلد قدميَّ المتشقق، البقع الجافة على رؤوس أصابع قدميَّ. أنظر إلى ساقيّ، المنمّشتين والسمينتين إزاء ظهر القطة. أدفعُ شعري الفوضوي إلى الخلف في كعكة متنهدّةً بعمق وبطء. الغرفة هادئةٌ الآن. لا صوت، إلا صوت قلبي، لطيفاً ودافئاً، يقول شكراً لأنك تستجيبين لي ثانية. وتستريح أصابعي على صدري؛ تستطيع سماع الصوت الذي يصدره قلبي.
أدفع نفسي خارجة من السرير وأنظر في المرآة الطويلة. كل تلك البقع. كل تلك الندوب والقشور. كل تلك الدمامل على الفخذ.
كلها قصيدة.
طقس نوم جيد
يمنح العالم نفسه
في همسات صغيرة:
آثار طرية في الطين
وزهرة زعفرانٍ
نصف متفتحة،
متجمّدة.
السُّحب
كومةٌ من الأحرف الصوتية المبللة.
أقرأُ، منحنيةً فوق الطاولة
في الغرفة المفتوحة على الريح،
إن كل مكونات الوجود عابرة.
آمل أن ألتقي بك ثانية
في المكان السريّ
حيث أحببنا بعضنا.
كان موجوداً.
أعتقد أنه كان موجوداً.
في هده المدينة المظلمة لا أشتاق إليك
في هده المدينة المظلمة
لا أشتاق إليك أبداً.
لا أفكر بابتسامتك
ولا برائحتك.
لا تسكنني.
أفكر بمن أنا،
بمن أريد أن أصبح
دونك.
دون يديك كي أمسك بهما،
لا أشتاق إليك أبداً.
لا أفكر بعينيك
تحت المطر والأضواء.
لا أشتاق إليك أبداً.
جسدي يتفتّح
الخزامى يزهر
بين نهديَّ.
تويجٌ
مهتزٌّ وساقط
من الريح
يومض كنجمٍ
تحت حلمتي.
ينغلقُ جسدي
بعد أن تُبرعم الزهرة،
تخيط نفسها عالياً
في منتصف جذعي.
أثر دم
في الخيوط.
بصمةٌ
وتويج
العيش
نتحدث عن الحياة
وليس عن الموت.
عن ورود
في الفناء الخلفي،
عن وقت مارسنا فيه الجنس
في مرآب مهجور
على الأرض الحصوية،
عن الحزن
الذي اعترانا حين انتقلنا
بعيداً
إلى ولايات أخرى
ثم بلدان أخرى.
الذكريات الأخيرة
المتبقية لبشرتنا
صارت ثياباً
تقينا من البرد
في ذلك المكان السريّ،
متحدثة تلك اللغة السرية.
في الظلام تعانقْنا
وتحدثنا للمرة الأولى
تبادلنا القبل في سنّ العشرين
في العالم الذي يتباطأ
أمامنا
وأنت توغلُ فيّ أحياناً
تحت المعبر
تحت السقف الاسمنتي
الذي يردد صدى زئير
السيارات وحديثنا ونحن،
نحرّك لسانينا
داخل مكان متكهّف.
يسأل: أهذا ما يشبه أن نحيا؟
ثم أرغب بامتلاك جناحين.
وقعت في الحب مرة ثانية
أحببتُ مرة ثانية
تحت خفّة جلدك،
ظلّلت نفسي
في رطوبة شفتيكَ
وقبّلتُ القلبَ النابض
لدماغك.
في النَّفَس
هناك تُنطق الكلمات.
أراقبكَ وأنت نائم
متكوّراً على الجانب الأيمن من السرير.
تتحدث في الصمت الصغير
حيث يتلامس ظهرانا.
ارتكبتُ أخطاء،
وبكيتُ بسببها
وأردتُها أن تتلاشى عميقاً عميقاً.
أنت لستَ خطأ، يا حبي.
حين أنظر إليك، تتلاشى كل الأشياء،
تتلاشى كل الأشياء
كما في أغنية “شيكاغو” التي أصغي إليها
حين أكتب هذا لك.
في السرير نتحدث عن زراعة
حدائق عضوية،
ونضحك كالأطفال الصغار تحت الأغطية
مداعبين أجسادنا.
أنت قطار أريد أن أستقلّه الليل بطوله.
لا يهمّني إلى أين يمضي.
من يستطيع أن يحذر
لماذا يريد شخصان بعضهما؟
كل ما أعرفه هو أنه ليست هناك قواعد،
أبداً.
أقكر باللحظة.
رأيتك دائخاً في ضباب الجنس،
في اللحظة التي قذفتَ بها في داخلي، خائفاً.
أستلقي مستيقظة، أفكّر
بوجهكَ فوق وجهي.
أسير معك في قلبي
وإلى الخلف
معك في قلبي،
عميقاً، عميقاً.
وهكذا توقّفْ عن قراءة هذا.
توقّفْ عن التفكير
بلماذا أكتب لك.
توقّف عن التفكير
بمتى تبدأ حياتك الحقيقية.
أنت، قطاري
الذي لن أغادره أبداً.
اسقطْ في الأمواج.