وُلد كارل ساندبرغ ( Carl Sandburg ) في غيلسبرغ بولاية إلينوي في السادس من كانون الثاني\يناير، 1878. بدأ العمل في سنّ الحادية عشرة وعمل في أنواع مختلفة من الوظائف كبواب صالون حلاقة، وسائق شاحنة توزيع حليب، وعامل في مصنع الطوب وحاصد للقمح. تطوّع ساندبرغ في قوة المشاة السادسة في إلينيوي حين نشبتالحرب الأسبانية ـ الأميركية سنة 1898. في سنة 1913 انتقل إلى مدينة شيكاغو حيث
صار واحداً من مجموعة الكتاب الذين لعبوا دوراً في "نهضة شيكاغو" في الفنون والآداب.
جاء نجاحه الأول كشاعر بعد نشر قصيدة "شيكاغو" في مجلة شعر (بويتري) سنة 1914؛ فيما بعد نُشرت هذه القصيدة مع قصائد أخرى في كتاب سنة 1916 بعنوان قصائد شيكاغو. في السنوات الست التالية نشر ثلاث مجموعات أخرى: قاشرو الذرة (1918)، دخان وفولاذ (1920) و ألواح الغرب الذي أحرقته الشمس (1922). تعكس هذه المجموعات وعي ساندبرغ لأميركا كأمة مدينية على نحو متزايد، وفي قصائد مثل "شيكاغو" يحتفي بالدافع والطاقة لدى السكان العاملين في الغرب الأوسط الصناعي.
في 1951 حصل ساندبرغ على جائزة بوليتزر في الشعر على الأعمال الشعرية الكاملة (1950). توفي في 22 تموز\يوليو، 1967 في فلات روك، نورث كارولاينا.
القصائد التالية هي من ديوان “قصائد شيكاغو”.
شيكاغو
يا قصّابةَ لحْم الخنزير للعالم
يا صانعةَ الأدوات، وجامعة القمح،
أيتها الخبيرة في سكك الحديد، ومُعالِجَة الشحْن في الوطن؛
أيتها الجامحةُ الفظّةُ المشاكسةُ
يا مدينة الأكتاف الكبيرة:
قالوا لي إنك شرّيرة فصدّقتُهم، ذلك أنني رأيتُ نساءك المتبرّجات
يغْوين عمّال المزارع تحت المصابيح الغازيّة.
قالوا إنّك مخادعة فرددتُ: نعم، هذا صحيح لأنني رأيتُ المجرم يقتلُ وينطلقُ حراً كي يقتل من جديد.
قالوا إنك متوحّشة فأجبتهم: رأيتُ علامات جوع لا يرحم على وجوه النساء والأطفال.
وبما أنني أجبت هكذا التفتُّ مرة أخرى إلى الذين سخروا من مدينتي، ورددت لهم السخرية قائلاً:
هيّا أروني مدينةً مرفوعة الرأس تغنّي فخورة
بأنّها حية وفظّة وقوية وماكرة.
هنا ثمة شخص جبّار طويل وأصلع يقف قويّاً ومشرقاً إزاء مدن صغيرة ناعمة؛
يقذف لعنات ساحرة وهو يكدح مكوّماً عملاً فوق آخر
شرساً ككلب لسانه متدل يركض لاهثاً من أجل العمل، ماكراً كبدائيّ
تستفزّه البراري،
عاري الرأس
يجرف
يهدم
يخطط
يبني، يحطّم، يعاود البناء،
تحت الدخان، فيما الغبار يغطّي فمه، ويضحك بأسنان بيضاء،
يضحك تحت العبء المريع للقدر كما يضحك
الشابّ،
كما يضحك مقاتلٌ جاهلٌ لم يَخسرْ معركةً واحدةً،
يتباهى ضاحكاً أنّ تحت رسغه النبض، وتحت أضلاعه
قلب الناس،
يضحك!
يضحك الضحك العاصف، الأجشّ الهادر للشباب، نصف عار،
متعرّقاً، فخوراً بأن يكون قصّاب لحم خنزير، صانع أدوات، جامع قمح، متقناً لسكك الحديد ومعالجَ الشحن للوطن.
سعادة
سألتُ أساتذةً يدرّسون معنى الحياة أن يعرّفوا لي السعادة.
وذهبتُ إلى مديرين تنفيذيين مشهورين يرأسون عملَ آلاف الرجال.
فهزّوا رؤوسهم جميعاً وابتسموا لي كما لو أنني كنت أحاول
خداعهم.
ثمّ في أصيل أحد أيام الأحد تجوّلتُ على ضفة نهر ديسبلينز
فرأيتُ حشداً من الهنغاريين تحت الأشجار مع نسائهم وأطفالهم،
وبرميل من البيرة وأكورديون.
سياج
انتهى بناء المنزلُ الحجريُّ المطل على البحيرة الآن وهاهم العمال يبدأون ببناء السياج.
الأوتاد مصنوعةٌ من قضبان حديديّة برؤوس فولاذيّة قادرة على قتل أيّ شخص يقع عليها.
إنه عمل رائع كسياج، سيصدُّ الرعاع والمشرّدين والجائعين وجميع الأطفال المتجوّلين الذين يبحثون عن مكان يلعبون فيه.
لن يمرّ أيّ شيء عبر القضبان والرؤوس الفولاذيّة المدبّبة إلا الموت والمطر، والغد.
حديد
مدافع،
مدافع طويلة، فولاذية،
مسدّدة من السفن الحربية،
باسم إله الحرب.
مدافع مستقيمة، لامعة، ومصقولة،
يتسلقها أستراليون محليّون في بلوزات بيضاء،
مجد الوجوه السمراء، الشعر الأشعث، الأسنان البيضاء،
أشخاص رشيقون ضاحكون في بلوزات بيضاء،
يجلسون على المدافع وينشدون أناشيد الحرب، ترانيم الحرب.
مجارف،
مجارف عريضة، حديدية،
تحفر مدافن مستطيلة
وتسوّي الأرض العشبية.أطلب منكم
أن تشهدوا:
إنّ المجرفة شقيقة المدفع.
ويطيعون
دَمِّروا المدن.
حَطِّموا الجدرانَ إلى قطعٍ.
دمِّروا المصانعَ والكاتدرائيات، المستودعات والمنازل
إلى أكوام مبعثرةٍ من الحجارة والأخشاب والفحم الأسود المحترق:
أنتم الجنود ونحن نأمُركم.ابْنوا المدنَ.
شَيِّدوا الجدران مرة ثانية.
حوِّلوا المصانع والكاتدرائيات والمستودعات
والمنازل، مرة ثانية
إلى أبنية للحياة والعمل:
أنتم عمّال ومواطنون: ونحن نأمركم.
حروب
في الحروب القديمة طقطقةٌ للحوافر وخبطٌ للأقدام المُنْتعلة.
في الحروب الجديدة هَمْهَمةٌ للمحرّكات وخَطْو عجلات مطّاطيّة.
في الحروب القادمة عجلاتٌ صامتةٌ وأزيز مسدّسات لم يُحلم بها بعد
في رؤوس الرجال.
في الحروب القديمة قبضاتُ سيوفٍ قصيرة وطعناتٌ في الوجوه بالرماح.
في الحروب الجديدة مدافعُ بعيدةُ المدى وجدرانٌ مهدّمةٌ، مدافعٌ تُطلقُ بصاقاً معدنيّاً
ورجالٌ يتساقطون بالعشرات والعشرينات.
في الحروب القادمة ميتاتٌ صامتة جديدة، وقاذفاتٌ جديدة صامتة
لم يُحْلَم بها بعد في رؤوس الرجال.
في الحروب القديمة ملوكٌ يتنازعون وآلاف الرجال يتبعونهم.
في الحروب الجديدة ملوك يتنازعون وملايين الرجال يتبعونهم.
في الحروب القادمة ملوك يُرْكَلون ويُرْمَون تحت التراب وملايين الرجال
يسعون وراء قضايا عظيمة لم يُحلم بها بعد في رؤوس الرجال.
الطريق والنهاية
يجب أن أسير عليه،
على الطريق المعبّد في الغسق،
حيث تتجوّل الأشكال الجائعة
ويمرّ الهاربون من الألم.
يجب أن أسير عليه
في صمْت الصباح
وأرى الليل وهو يذوب في الفجر،
وأسمع الريح البطيئة العظيمة تهبّ
حيث الأشجار الطويلة تحفّ بالطريق.
وترتفع شاقة طريقها نحو السماء.
إنّ جلاميد الصخور المحطمة على جانب الطريق
لن تُحيي ذكرى حطامي.
سيكون الندم حصىً تحت الأقدام.
سأراقبُ
الطيورَ النحيلة سريعة الجناح
التي تذهب إلى حيث تدفع الرياح وجيوش الرعد،
المواكب الوحشية للمطر.غبار الطريق الذي اجْتيزَ
سيلمسُ يديَّ ووجهي.
متعة
أحطْ نفسكَ بالمتعة.
مدَّ يديك
وأمسكْ بها حين تجري قربك،
كما يمسك راقص الأباتشي
امرأته.
رأيتهما
يعيشان طويلاً ويضحكان بصخب،
يغنيّان، ويغنّيان
وقد حطّمهما إلى القلب
تحت الأضلاع
حبٌّ رهيب.
المتعة دوماً،
المتعة في كل مكان ـ
دعْ المتعة تقتلك!
ابتعد عن الميتات الصغيرة.
موضوع بالأصفر
أنقّط الهضاب
بكراتٍ صفراء في الخريف.
أُضيءُ حقولَ الذّرة في المروج
العناقيد البرتقالية والسمراء الذهبية
واسمي هو القرع.
في أواخر تشرين الأول
حين يخيّم الغسق
ويُمسك الأطفال بأيدي بعضهم
ويتحلّقون حولي
مغنّين أغاني الأشباح
والحبّ لقمر الحصاد؛
أنا مصباحٌ مصنوع من قرعة مجوّفة
بأسنان مريعة
ويعرف الأطفال
أنني أغشّهم.
نافذة
الليلُ من نافذة عربةِ قطار
شيء ناعم كبير ومظلم
مُشطّب بشقوق من الضوء.
برودواي
لن أنساك أبداً، يا برودواي
ولن أنسى أضواءك الداعية المنادية.
سأتذكّركَ طويلاً،
يا نهراً طويل الأسوار من الاندفاع واللعب.
القلوب التي تعرفكَ تكرهكَ
والشفاهُ التي منحتْكَ الضحك
ذهبت إلى رماد حياتها وورودها،
لاعنة الأحلام التي ضاعت
في غبار أحجارك القاسية والمداسة.
لغات
لا يوجد مقابض للغة
يُمسكُ بها الرجال منها
ويعلّمونها بعلامات لتذكّرها.
إنها نهرٌ، هذه اللغة،
تشقُّ مرة كلّ ألف عام
مجرى جديداً
مغيّرة طريقها إلى المحيط.
إنها رائحة جبل
تنتقل إلى الأودية
ومن أمة إلى أمة
عابرة الحدود ومختلطة.
تموت اللغات كالأنهار.
إن الكلمات الملفوفة حول لسانك اليوم
والمحطمة إلى صيغة فكرية
بين أسنانك وشفتيك تتحدث
الآن واليوم
ستكون حروفاً هيروغليفية ذاوية
بعد عشرة آلاف سنة من الآن.
غنِّ ـ وفيما تغنّي ـ تذكّرْ
أغنيتك تموت وتتغيّر
ولن تكون هنا غداً
كالريح
التي تهبّ منذ عشرة آلاف عام.
رسائل إلى شعراء تصويريين
إميلي ديكنسون:
وهبْتِ لنا النحلة الطنّانة التي لها روح،
المسافر الأبديّ بين نباتات الخطميّ،
وكيف يلعب الله حول حديقة فناء خلفيّ.
ستيفي كرين:
الحرب لطيفة ولم نعرف أبداً لطف الحرب إلى أن أتيت؛
ولا الراكبين السود وجولات الرمح والدرع خارج البحر،
ولا التمتمات والطلقات التي ترتفع من الأحلام عند الطلب.
[ترجمة أسامة إسبر]