يوم الأرض في التوثيق الشفوي
ماذا يعني أن تولد في بيئة قروية ريفية عمادها الزراعة والفلاحة، ثم ما تفتأ تتهاوى قرى وتتساقط مدن حولك فيما تبقى، أنت وقريتك، معلقين بين الخراب مهمشين، مجاهداً لفهم ما يدور حولك، كل ذلك وأنت لم تتحرك شبراً واحداً بعيداً عن أرضك؟ ماذا يحمل الإنسان معه من تجربة الخراب هذه؟ وماذا يبقى معه مما تبقى؟ ماذا يبقي من روابط مع ماضيه؟ وعم يتخلى في واقع يفرض ذاته على الإنسان في معركة متواصلة من التحارب على كل شيء: بدءاً من الإنسان، مروراً بالأرض وانتهاءً بالذاكرة!
إن واحدة من صوّر الدمار الذي حلّ بالفلسطينيين المتبقّين في أرضهم، هي انهيار العلاقة بين الإنسان وأرضه، بعد أن شكّلت الأرض القاعدة الإنسانيّة التي حضنت الحياة الإجتماعية للفلسطيني وعبرها تشكّلت هويته وعقيدته السياسية وهناك نمت علاقته المميزة مع ذلك المكان الذي تغيّر طابعه بفعل استعماره منذ العام 1948.
في فقدان الأرض ما يدمّر جوهر الحياة ومنهجها، عاداتها وتقاليدها، وكل ما يشكّل الفرد القرويّ الفلسطينيّ، خلافاً لتعريف الفلسطيني المديني مثلاً (دايفس). انعكس الفقدان بانحسار مساحات شاسعة من الأراضي الزراعيّة، وفرض على الفلاح العمل بالإيجار لدى الدولة والمشغّل اليهودي بأجور متدنية وبمهن محددة (بشير)، الأمر الذي أضاف على اغتراب العلاقة بين الأرض والإنسان.
إلا أن تفتت هذه العلاقة مع الأرض، لا يقتصر على الفقدان المادي وحسب إنما يمتد ليطال مفهوم الأرض في الوعي والإدراك الفلسطيني الأمر الذي لا يمكن فصله عن التحوّل في تشكّل الهوية الفلسطينية خصوصاً عند الجيل الجديد الذي لم يعايش النكبة ولا تردّدها المتمثّل بيوم الأرض. فهذا الجيل تربطه علاقة مهشمة وغير واعية بالأرض، وذلك يعود بشكل أساسي الى الدور الذي يلعبه الإستعمار وتأثيره في صوّغ هوية مشتتة المعالم عند الفلسطيني. أضف إلى ذلك، أن تهميش حركات التأريخ الفلسطيني للفضاء القروي المتبقي، لم يساعد في تدعيم هذه العلاقة مع الأرض لدى الجيل الجديد تحديداً. وقد يبدو ذلك غريباً بشكل خاص، إذا ما أخذنا بالحسبان أن هذه القرى تشكّل فعلياً مركز الثقّل النوعيّ والكميّ في فلسطين المحتلة عام 1948، وقد يكون يوم الأرض هو المثال الأبرز لدوّر القرى ومركزيتها التي نالتها عقب النكبة، في حين شكّلت المدينة قبل النكبة، مركزاً كانت القرى هامشها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
تأريخ فلسطين: المفقودات
لقد تركزت غالبية جهود التأريخ السياسي والإجتماعي للقرى الفلسطينية المتبقية عام 1948، في توثيق ممارسات الإستعمار الصهيوني، دون الإشارة الى كونه إستعمار/استيطاني بالضرورة. أو عملت على رصد وتحليل الحراك السياسي والحزبي للقيادات الفلسطينية المتشكّلة في فلسطين بعد إحتلالها في العام 1948. هذا التوثيق التاريخي لم يخلق حيزاً لسماع أصوات مكتومة منذ النكبة والتي من شأنها أن تخلق خطاباً يعمل على إعمار هوية فلسطينية مختلفة المعالم وواضحة، عمادها الأرض كحلقة النزاع في لب هذا الإستعمار الإستيطاني.
قد نعزو هذا السكوت عن تناقل التجربة الفردية الفلسطينية في المقام الأول إلى نفسية التخويف والترهيب وانتشار المخبّرين "الأذناب" في المحيط القروي الفلسطيني، التي ما زال جيل النكبة والحكم العسكري يعيشها. كما ويجمع الباحثون في دراسات الذاكرة، على أن وقتاً طويلاً قد يمّر على الأفراد والمجتمعات التي عبرت تجربة صادمة مدمّرة، قبل الاعتراف بالكارثة ومنحها أي معنى وثقل في حياتهم، الأمر الذي يدفعهم للتحدث عنها ومشاركتها (سعدي وأبو اللغد).
ولكن كيف يمكن قراءة تلاشي هذه الأصوات في سياق القرية المتبقية على ضوء تنامي التوثيق الشفوي في سياق القرى المدمّرة مثلاً؟ هل يمكن الادعاء أن الدمّار الجسدي للقرى وتهجيرها شكّلا دافعاً أقوى –وقد نقول شرطاً- لتوثيق هذه الشهادات، ما شكّل سبباً إضافياً في سكوت الفرد الفلسطيني المتبقي إزاء سيرته؟ أو أن شعوراً ما بالنقص قد بات متأصّلاً في الفسلطيني الذي بقي مقابل الفلسطيني الذي هُجّر، ما يجعله في موقف "المدافع" عن بقائه متحايداً التحدث والرجوع إلى الدمار الذي ألحقه هذا البقاء به كفرد فلسطيني؟
إمتحان الزمن
تشير الباحثة د. آمال بشارة إلى الأهمية القصوى لقياس الاختلاف بين زمن وقوع الأحداث من جهة، والحاضر الذي تسجّل فيه من جهة أخرى. عبر معاينة هذه الفجوة نستطيع الوصول إلى التحوّلات في معنى التجربة بالنسبة للإنسان الذي عاشها، وكذلك التحوّلات في علاقة الفرد والمجتمع بمركّبات هذه التجربة. وإذ يشكّل يوم الأرض حدثاَ مغايراَ من حيث الفعل والمعنى، حيث كان اليوم الذي كُسر فيه حاجز الخوف الذي طوّق الفلسطينيين طيلة ثلاثة عقود منذ النكبة، وكان الحدث الذي عرّفهم، لأول مرّة، بالطاقة والمقدرة الكامنة فيهم اتجاه قضيّتهم؛ إلا أن قراءة هذه الفجوة -بين تناول يوم الأرض في الحاضر، وشهادات من عايشه- تشير إلى التفتت الذي ألمّ بمفهوم الأرض وحضورها.
هذا التوثيق الشفوي بيّن العلاقة المهترئة والهشة بين الماضي والحاضر والإختلال الذي طرأ على هذه العلاقة بالنسبة للأرض والهوية والإنسان والتراث. ويظهر هذا الإهتراء على عدة أصعدة؛ لقد تحولت الأرض بمفهومها السياسي والإنساني إلى قضايا ميزانيات مستحقة من "الدولة"، وحقوق متساوية في المسكن والكرامة والحق في تقاسم الموارد العامة وغيرها من الحقوق من تسميات وبدع الخطاب القانوني الليبرالي المحدود والإستقصائي. هذا الخطاب الذي يغيّب تاريخ استعمار الأرض، ويقوقعه ضمن سياق الحاضر "المدني". لقد تم تفكيك وتدمير حضور الأرض في الإدراك والوعي الفلسطيني، إلى أجزاء استبدلت مفهوم الأرض وحولته الى قضية أخرى من جملة القضايا التي "تعاني منها الأقلية العربية في إسرائيل"، ما يعني تدمير لا يقل معنى وأذى على الحاضر الفلسطيني المستعمَر، من التدمير الجسدي والجغرافي للقرى الفلسطينية عامة.
علاوة على ما حضر وامتداداً له، فإن الالتفاف حول الأرض كقضية جامعة للفلسطينيين قد تدنى إلى أقصاه. فمثلاً، المسيرات السنوية التي تقام لإحياء يوم الأرض تشهد تضاؤلاً مستمراّ في نسبة الحضور الشعبي وعدم الالتزام بالإضراب (إذا ما أُعلن)، كما وباتت محاور النضال متقطعة الأوصال بين المناطق الفلسطينية المختلفة، فالنقب على كل ما يجري فيه من مصادرات وإقتلاع هو منطقة خارج وعي وإدراك فلسطينيي الشمال ولا تشكّل وجّهة للتضامن وكأنها تقع خارج نطاق القضية.
تحت الاستعمار: الشفوي يوثّق الفقدان
في التاسع والعشرين من آذار 2013، قبل يوم من الذكرى الـ37 ليوم الأرض، توفّيت الحاجّة ندى نعامنة (1933-2013) من قرية عرّابة البطّوف الجليليّة، واحدة من قرى مثلث يوم الأرض. ندى نعامنة هي واحدة ممن خاضوا أحداث يوم الأرض، وتصدّوا للمصادرة وللجيش الإسرائيلي في العام 1976. ومن المفارقة أن تأتي وفاتها ليس يوماً واحداً قبل يوم الأرض فحسب، بل في يوم العرض الأول للفيلم الوثائقي "30 آذار"، والذي تظهر فيه ندى وتحكّي قصّتها الكاملة في يوم الأرض.
يجمع الباحثون على أن التوثيق الشفوي وسيلة للنضال عند الشعوب التي استُعمرت ومرّت بتجربة فقدان أليمة للذاكرة وللأرض، عليه فإن اعتماد الشفويّة لتوثيق قضية ما إنما ينبع من قرار ومقولة سياسية واضحة ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوقيت الذي يعتمد به. وفي سياق المجتمع الفلسطيني، فإن الشهادات التي تشير الى الارتباط العضوي بين الفلسطيني وأرضه، هي مفصلية في إعادة صياغة خطابنا السياسي كمستعمَرين وتحطيم الطوق حول الخانات التعريفية التي أفرزتها "الدولة" وأهمها "الأقلية العربية في إسرائيل" أو "عرب إسرائيل" أو فلسطينيو الداخل" أو "فلسطنيو الـ48" أو "الجماهير العربية في إسرائيل" أو "المواطنون العرب في إسرائيل" وغيرها من التصنيفات التي خنقت الفرد الفلسطيني في داخلها، حيث ذوتها وعبّر عن نفسه من خلالها خصوصاً وأن الحركات السياسية وعلى رأسها الحزب الشيوعي الإسرائيلي والمجتمع المدني الفلسطيني قد إستعمل وكرر وما يزال هذه المفردات من باب العملية والبراجماتية، متبنيّاً خطاب الأقلية/الحقوق المدنية/المساواة كخيار وحيد لا بديل له.
في ذكرى يوم الأرض، وتحديداً في معركتنا ضد الوقت، المتمثلة في وفاة الحاجة ندى نعامنة، نجد أنفسنا في أمسّ الحاجة للعودة لهذه الشهادات لكي نعيد ترتيب الأوراق، لنتمكن من صياغة جديدة للعلاقة التي تربطنا نحن الجيل الجديد بالأرض – محور الصراع الذي لن ينتهي قريباً، بين الاستعمار الصهيويني وبيننا. إننا حتماً لن نستطيع أن نستمر ما دمنا نقدّس الدمار ونرضخ له، دون أن نحاول تحديّه وكسّر ما طوقّنا به لقرابة السبعة عقود. وكما قالت والدة الشهيد رأفت علي في نهاية الفيلم "30 آذار": "فلسطين ما بتوكل ولادها [...] بعدها بعدها، الناس بقول خلصت، لأ".
لم ينته شيء بعد.
قصص تعطي الأماكن معانيها
انطلاقًا من هذه النقطة، سنستعرض شهادات بعض من شاركوا أو عايشوا أحداث يوم الأرض، وهي شهادات ظهرت في الفيلم الوثائقي "30 آذار". شهادات إنسانيّة وشخصيّة تبيّن العلاقة الوثيقة بالأرض لذلك الجيل، عبر قصص التحدي والنضال التي خاضوها في الأسبوع الأخير من آذار 1976.
رسّخ إجتياح المكان الآمن والخاص في القرية وأرضها، والتماس المباشر بين العسكر والقرويين، تجاربهم عميقاً في الذاكرة، فوضع الكثيرين منهم، بما فيه النساء والأطفال، في موضع تحدٍ مباشر وأعزل، خلّف الكثير من قصص الصدام مع الجنود في ساحات البيوت وغرفها الداخليّة. في هذه الشهادات نلاحظ حديث الناس عن مناجاتهم لأنفسهم في تلك اللحظات التي تستلزم رداً سريعاً للفرد الأعزل أمام الجندي المسلّح. فنسمع مثلاً عن قصة ندى نعامنة:
"طلوا من فوق قالوا [الجنود] فوتي على البيت، قلتلو أنا ببيتنا .. قال فوتي على البيت، قلتلو أنا في بيتنا.. قال فوتي على البيت ينعن أبوكي، قلتلو شو؟! الله يلعن أبوك على أبو حكومتك. أبصر شو كنت أشتغل أنا بالكريك (أداة حديدية تستخدم في البناء والزراعة) بالليل لكنت حاطيتو بقاع البيت. قام دارلي [...] قلت هاظ عصاتو قصيرة.. نزلت ومسكت هالكريك، يضربني بعصاتو ما تصلنيش، أطرقه [للجندي]. طرقت واحد منهم، انطرح."
قصص التحدي هذه لا تقتصر على البيت والقرية، فهي تمتد إلى الأرض نفسها التي شكّلت قاعدة الإحتجاج وأصله، فتكمل ندى الحديث عن أنه كان لديها وزوجها قطعة أرض في المساحة المزمع مصادرتها، فكانت تذهب كل يوم إلى هناك رغم عدم إصدار تصريح لها بالدخول لكونها منطقة عسكرية مغلقة:
"يوخظونا على المركز.. على سيغيف [اسم مركز الشرطة]، يمظوني (يجعلوني أوقّع) انو يعملولي محكمة.. ست مرات. مروحّش على الدار أغلب الوقت، أرجع لهناك [للأرض]. يرجعوا خطرات [مرات]، يرجعوا يعاودوا يوخظوني.. قلتلهم مرة [عندما] مرق هالجيب، لليش بتحشر حالك علينا؟ قاعدة أنقب شوية علت.. شايف هاظ؟ هاظ اسا كل ولادي جايين لهون وننقبه ونطبخه ونوكله هون وبنموت هون ومنطلعش من هون.. وقلتلو أرض المل لصحابو مش لرابين وكلابو"
هذا الارتجال في التحدي يأتي ليكسر سمّة الخمول التي ألصقها الخطاب العام الصحافي في تلك الفترة وتجارب التوثيق القليلة للحدث مثل كتيب "الكتاب الأسود" الذي عرض بعضاً من شهادات من عاش يوم الأرض. يشير الباحث نبيه بشير إلى إظهار هذه الشخصيات على أنها ضحايا "أشياء" objects غير فاعلة وغير واعية لذواتها، في حين أنهم في المقابلات المباشرة التي أجراها معهم أظهروا عكس ذلك تماماً.
وفي هذا السياق، يسهل تشيئ النساء وتغييبهنّ نظراً لندرة وجودهن في صف المجابهة الجسدية المباشرة مع الجنود، إلا أن الشهادات التي رأيناها –كما في حال ندى أعلاه- تأتي لتكسير هذا الخمول بالنسبة لدور النساء في يوم الأرض. وتضاف الى هذه أخرى، مثل شهادة رجل الذي أصيب بطلقات أدت الى قطع رجله، فكانت أن ساعدته امرأة بأن فكت حطتها عن رأسها وربطت رجله بها، ثم استثم النسوة التي وصفهن أحد المشاركين في يوم الأرض من كفرمندا:
"النساء كانو يساوو فساتينهم يرفعوها يعملوها زي حُرج ويعبوا فيها حجار ويلحقو اللي براجدو (الذين يرمون الحجالاة).. طبعاً مش لأي واحد يعطوا، يعرفوا أي شخص هو مبين مميز انه براجد.. يظل واحدة أو ثنتين وراه".
هذه الحلقات الصغيرة من التجارب الفردية تشكّل صوراً إنسانية راسخة في الذهن الفلسطيني الذي يستحضر هذه المرحلة اليوم، ويدخلها بحميمية تكاد تكون ناقصة من الرواية التاريخية الفلسطينية عن تلك الأيام. وفي واحدة من القصص التي تحتل مساحة من شهادات"30 آذار" هي شهادة محمود أبو صالح من قرية سخنين الذي تم اعتقاله وضربه من قبل الجنود أثناء نقله الى مركز الشرطة.
"كبشوني وساعتها بلشت المعركة بيني وبينهم لما طلعوني على الجيب.. بلشت المعركة بيني وبينهم، تصوّر انه أنا قاعد هون وواحد قاعد بجنبي واثنين على قبالي وهني معهم عصي وأنا فش معاي اشي.. وبلشولي ضرب، يعني هاي العلامات اللي على الثوب [يعرض ثوبًا مضرجًا بالدم لا زال يحتفظ به]، هاظا الدم من راسي من الدم اللي كان ينزل مني [..] بطلت أقدر أضرب، صرت ألقي هيك ايديّ يمتلوا دم.. شوف شوف الجرأة سبحان الله، أسوي هيك ايديّ وأرش عليهم دم، يعني لطختهم بالدم كلياتهم، عشان هيك لما وصلنا المركز [الشرطة]، بقول الضابط، بقول "مي هبتسووع بو، هالشوطريم أو هو"؟ (من المصاب هنا، الشرطة أم هو؟ - بالعبرية)" هذه الجملة الأخيرة يقولها محمود أبو صالح ضاحكًا.
يخبرنا مخرج الوثائقي أن محمود رفض التحدث معه مراراً إلى أن وافق في النهاية فكان أن قصّ دواخل نفسه وكيف بقي يحمل هذه التجربة عميقاً في داخله، وباتت جزءاً منه مع أنه لم يصاب جسدياً سوى بطفيف الجراح. حالة الصدمة التي منعته من الكلام بداية، يتجاوزها ولو لحظياً ليتحدث عن الطقس الحميمي الذي يعيشه في كل سنة "انت اللي بتشوفي اسا مني.. أنا كل يوم أرض هيك بصيبني.. كل يوم أرض بتذكر يوم الأرض الأولاني وبتذكر لئامة الجندي الإسرائيلي" يقول هذه الكلمات فيما يعرض باكياً القميص الملطخ بالدم الذي حافظ عليه لمدة 37 عاماً.
على الذاكرة أن تُنبش، تُستفز وتُواجه حاضرها لتستعيد هذه التجارب رغم قسوتها. لا يمكن، لا لاستطلاعات الرأي ولا الكلام النظري البعيد عن أرض الواقع، استبيان علاقة الإنسان بمكانه. وحدها هذه القصص البسيطة والملحميّة في آن، تعطي الأماكن معانيها بالنسبة لنا، كما تقول روشيل دافيس في دراستها لتوثيق ذكريات أهالي القرى الفلسطينيّة المهجّرة.
الشهادات التي نراها ونسمعها عن يوم الأرض هي تلك التي تمكننا من تلمّس مدى حضور الأرض في شخص الفلسطيني الذي عايشها، وعبرها نستطيع فهم المعنى الذي يُنسّبه الفلسطيني المتبقي لأرضه واقتران ذلك بتعريفه لذاته.