كنا قد اتخذنا قراراً منذ بدء أزمة جريدة وموقع ”إيجيبت إندبندنت“، التابعَين لمؤسسة ”المصري اليوم“، ألا ندخل في مهاترات لا تهم القارئ الكريم. لكن مقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة،الدكتور عبد المنعم سعيد، المنشورفي 30 أبريل 2013 والمعنون ”أحلام المصري اليوم مرة أخرى“، دفعنا إلى كتابة رد مفصّل، احتراماً لحق القارئ في معرفة الحقيقة من ناحية أولى، وسعياً إلى وضع أزمة مشروعنا الصحفي المجهض في إطار الأزمة العامة للصحافة الحرة في مصر من ناحية ثانية. نكتب هذه السطور بينما يعود موقع “ايجيبت اندبندت” لنشر الاخبار التي تنتجها بالأساس جريدة ”المصري اليوم“ وبينما نتمني لفريقه كل النجاح، نرى أنه من الاهمية أن نوضح ما حدث.
يطرح مقال الدكتور سعيد رؤية محددة لأزمة ”إيجيبت إندبندنت“. فوفقاً للسيد رئيس مجلس الإدارة فإن أزمة الجريدة الإنجليزية أزمة اقتصادية بامتياز. فالجريدة مثّلت نزيفاً مالياً للمؤسسة بعد أن حققت خسائر وصلت إلى 5 ملايين جنيه وبعد أن فشلت في الوصول إلى معدلات توزيع أو اشتراكات معقولة. ويعود ذلك، وفقاً للدكتور، إلى ”حقيقة“ أساسية، وهي أن مشروع ”إيجيبت إندبندنت“ مشروع فاشل بطبيعته لأنه ”خلق اغتراباً منذ البداية عن قارئه“ بعد أن اختار أن يركز في تغطيته على الفقراء والمهمشين الذي لا يهمون السائح أو القارئ الأجنبي المقيم في مصر، فضلاعن ”استعارته“ اسم صحيفة إنجليزية بدلا من استخدامه لاسم ”المصري اليوم.“» المميز «بنكهته المصرية»، مما منع القارئ من «ابتلاع» ما تقوله الصحيفة.
يمضي الدكتور في روايته عن أزمة ”إيجيبت إندبندنت“ ليشرح كيف أن الإدارة اختارت غلقها في إطار ”عملية شاملة لإعادة الهيكلة والسعى الحثيث نحو آفاق جديدة للعمل الصحفى تتماشى مع العصر، ومع أحلام المصرى وليس الآفاق الضيقة لجماعات أيديولوجية محدودة الأثر والتأثير“. ورغم ذلك، ووفقاً للدكتور سعيد، فإن المؤسسة أعطت للمطبوعة المأزومة فرصة لإصلاح أحوالها، ففشلت في ذلك فشلاً ذريعاً، إلى حد أن رئيسة تحرير الإندبندنت تجرأت ورشّحت مصرياً مقيماً بلندن إلى تقديم ”أغرب عرض في التاريخ“: ”شراء الصحيفة بمبلغ جنيه مصرى واحد، مع تنازل ”المصرى اليوم“ عن رخصة الصحيفة واسمها، دون مقابل، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لنقل الترخيص، بعد سداد جميع الديون“.
ولم ينس الدكتور سعيد أثناء استعراضه لـ“حقائق“ أزمة ”إيجيبت إندبندنت“ أن يقدم نقدا لـ“التدليس“ الذي مارسه صحفيو ”إيجيبت إندبندنت“ بتصويرهم المسألة على أنها محاولة لإغلاق ”صحيفة ثورية وتقدمية تتبنى حالة المهمشين والفقراء فى بلادنا، وأن هذا الإغلاق إما أنه حدث بسبب جماعة من الرأسماليين الجشعين، أو جماعة من الإداريين الذين يقودهم من كان من الفلول“.
الحقيقة أن كل ”الحقائق“ التي يقدمها السيد عبد المنعم سعيد تجافي الحقيقة، بل والقواعد المهنية والإدارية والإنسانية المتعارف عليها.
فلنبدأ بالنظر إلى الجانب الاقتصادي المحض للأزمة. ليس صحيحاً أن سبب الأزمة المالية للإندبندنت هو ضآلة الأعداد الموزعة (500 نسخة) والاشتراكات الخاصة (70 اشتراكاً) بالجريدة المطبوعة. الحقيقة أن ميزانية الجريدة الأسبوعية المطبوعة تقل عن 10% من إجمالي ميزانية إيجيبت إندبندنت، وأن معظم تكلفة مشروع الإندبندنت (الجريدة زائد الموقع) تأتي من أجور الصحفيين العاملين في الموقع الإلكتروني، حتى قبل تدشين الجريدة الذي تم قبل سبعة أشهر من الآن، وهو ما يعني أن إغلاق الجريدة المطبوعة لن يؤثر إلا قليلاً جداً على إجمالي التكاليف.
هنا بالضبط يأتي الجزء من الحقيقة الذي نسيه الدكتور سعيد، ربما لكثرة مشاغله! فالسيد رئيس مجلس الإدارة أوقف نزيف خسائر الإندبندنت ليس عن طريق إغلاق الطبعة الورقية مع التركيز على الموقع الإلكتروني في إطار مشروع ”غرفة أخبار المستقبل“ الطموح، ولكن عن طريق تسريح معظم العاملين في المشروع (وعددهم الإجمالي حوالي 40 صحفياً ومترجماً)، حتى من دون أن يعطيهم التعويضات التي يقرها القانون في مثل هذه الحالات.
كيف نجحت إدارة مؤسسة ”المصري اليوم“ العريقة في تسريح معظم صحفيي الإندبندنت بهذه السهولة؟ لأنها، ببساطة، لم تكن قد وقعت عقود تعيين مع غالبية الصحفيين العاملين لكل الوقت وبانتظام على مدى سنوات في المؤسسة.
في إطار الأزمة، وفي اجتماع مع مدير عام مؤسسة ”المصري اليوم“، سأل العاملون في الإندبندنت السيد المدير ”هل تعتبر، كما نعتبر نحن، أن عدم تعييننا بعد أن عملنا بانتظام لسنوات في المؤسسة جريمة قانونية وأخلاقية؟“ فكان رد المدير ”نعم هو خطأ، لكنه خطأ لا أحد محدد مسؤول عنه، وهو في كل الأحوال خطأ شائع في كل المؤسسات الصحفية“.
إذن، فقد تم حل أزمة المصري اليوم المالية عن طريق تسريح عاملين دائمين على مدى شهور طويلة، وفي أحيان كثيرة سنوات، بعد أن فرضت عليهم شروط سوق العمل، ولا أخلاقية أصحاب الأعمال، أن يعملوا بدون إبرام عقود تحفظ لهم حقوقهم كعاملين ومهنيين.
وعند التسريح، رفضت الإدارة إعطاء العاملين الدائمين من غير المعينين حقهم الطبيعي في مكافأة شهرين عن كل عام عمل، وأصرت على إعطائهم مايقل عن ذلك بكثير، حتى نجحوا بعد المفاوضة أن يحصلوا فقط على نصف ما يقره قانون العمل.
ولذلك، فعندما يقول السيد عبد المنعم سعيد إن العاملين في ”إيجيبت إندبندنت“ هم من العاملين في المصري اليوم ”وسوف يعملون وفقاً للتوجهات التى تسمح لها بالتقدم والازدهار“، موحيا للقارئ أنه لم يسرح أي من الصحفيين، فهو في الحقيقة يرتكب فعل ”تدليس“ صريح، حيث أنه قام بتسريح غالبية العاملين، فيما عدا القلة المعينة.
هل كان تشريد صحفيي الإندبندنت ضرورياً؟ هل كان محتماً، حتى تعيش المؤسسة، أن يموت أكثر من عشرين صحفي؟ إجابتنا هي بالقطع: لا.
هنا نأتي للفشل الإداري والاقتصادي لمؤسسة ”المصري اليوم“.
فأن تقوم مؤسسة ما بتسريح جماعة من أكثر صحفييها مهنية وكفاءة، باعتراف الدكتور سعيد نفسه، لإنقاذ نفسها مهنياً، لهو دليل على أي نوع من المهنية، ناهيك عن القيم، تتأسس عليها تلك المؤسسة. الأهم من هذا أن الدكتور سعيد يجافي الحقيقة عندما يقول إن مشروع إصلاح الأوضاع المالية للإندبندنت الذي تبنته رئيسة التحرير مع العاملين بالجريدة ”فشل فشلا ذريعاً“.
فالحقيقة التي نسيها السيد رئيس مجلس الإدارة هنا، في الأغلب أيضاً لكثرة مشاغله، هي أن موقع ومطبوعة الإندبندنت لم يحظيا بإعلان واحد على مدى شهور وسنوات. لماذا؟ لأن وكالة الإعلانات المتعاقدة مع المؤسسة لم تبذل أي جهد في الترويج إعلانياً للإندبندنت رغم تأكدنا من أن هناك مساحة لا بأس بها للإعلان في مطبوعة وموقع إنجليزيين يعدان الأكثر تأثيراً في مصر. الحقيقة الأخرى التي نسيها السيد رئيس مجلس الإدارة هي أن فشل الترويج للاشتراكات يرجع بالأساس إلى فشل إدارة التوزيع والاشتراكات في الترويج للجريدة، بدليل أن الصحفيين العاملين بالجريدة عندما وضعوا على عاتقهم إنقاذ الجريدة نجحوا في التعاقد على اكثر من مئة اشتراك في يوم واحد فقط.
باختصار، ما ينساه السيد رئيس مجلس الإدارة هو أن الفشل في مجال تسويق الإندبندنت يقع على عاتق الإدارة وحدها وأن منبعه إهمالها في الترويج لموقع، ثم مطبوعة، قررت هي أن تستثمر فيهما. ينسى السيد رئيس مجلس الإدارة كذلك أننا قدمنا له خطة مالية حققت تقدماً كبيراً في غضون شهرين لا أكثر، حيث قمنا خلال هذين الشهرين بتخفيض المصروفات بنسبة 25% وبالبدء في رفع الإيرادات، وذلك رغم عدم التعاون من جانب الإدارة، سواء في جلب الإعلانات أو في رفع معدلات التوزيع والاشتراكات.
الحقيقة أن ”تخسير“ الإندبندنت الناجم عن إهمالها إدارياً، وليس الفشل المؤكد للمشروع، هو السبب وراء الأزمة التي – وهذا أيضاً أمر ينساه السيد رئيس مجلس الإدارة – طالت كل المؤسسات الصحفية في مصر في العام الأخير.
والأطرف في هذا السياق أن الدكتور سعيد يتهكم على عرض الشراء الذي تقدم به أحد المستثمرين المصريين لشراء الإندبندنت لأن السعر المعروض هو جنيه واحد فقط لا غير. لكن ما ينساه سعيد هنا أن هذا بالضبط هو العرض الذي تقدمت به مؤسسة المصري اليوم عند عرضها لشراء جريدة الديلي نيوز ايجيبت، وذلك لسبب بسيط جداً: أن الديلي نيوز، كالإندبندنت تماماً، كانت خاسرة ولا تمتلك أي أصول عدا اسمها والمهارات الصحفية العاملة بها.
والآن يتحدث الدكتور سعيد عن ”تطوير“ المصري اليوم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أي تطوير هذا الذي يتحدث عنه الرجل؟
يشتكي سعيد من الاغتراب الذي يخلقه اسم الإندبندنت. لكن المفارقة أننا اكتشفنا أنه مصمم على الاحتفاظ باسم ”إندبندنت“ إلى درجة أنه قرر إجبار كل العاملين المسرَحين على توقيع ورقة مخالصة تتضمن تعهدهم بعدم استخدام اسم ”إندبندنت“ أو أي اسم قريب منه لأن الإدارة قررت استمرار الاسم كما هو!
يتحدث الرجل عن نزيف الخسائر الذي يأتي من مشروعي الإندبندنت والسياسي، وينسى أنه بينما هو منهمك في تسريح صحفيين ممتازين ”لإنقاذ المؤسسة“ يحمّل المؤسسة نفسها مئات آلاف إضافية من الجنيهات كفاتورة أجور بعد تعيينه هو وإداريين جدد مهمتهم – فيما يبدو– ستكون الانشغال أكثر وأكثر بتسريح الصحفيين الممتازين ”لإنقاذ المؤسسة“.
يتحدث الرجل عن ترهل مشروع لا يجد لنفسه قارئاً، ثم يقرر أن طريقة تطويره هي ترجمة الجريدة العربية اليومية من الغلاف للغلاف (هذا ما تطرحه وثيقة تطوير الموقع الإنجليزي المقدمة من الإدارة)، بما يعنيه هذا من تكاليف، على اعتبار أن السائح الأجنبي – وهو القارئ المستهدف بالنسبة لسعيد – مهتم تماماً بقراءة الأخبار التي باتت الصحفية الغراء، بعد التطوير، تنشرها يوماً بعد يوم.
حقاً إن للتطوير معان لا يمكن أن يدركها أمثالنا من ”الجماعات الأيديولوجية محدودة التأثير“.
والشيء بالشيء يذكر، فنحن ندعو القارئ الكريم إلى تصفح الموقع الإنجليزي بنفسه حتى يقرر لنفسه إن كانت تجربة الإندبندنت قد عبَرت عن مواقف جماعة أيديولوجية محدودة أم قدمت للصحافة المصرية نموذجاً مهنياً-إخبارياً-متنوعاً-راقياً يشرح مصر لقارئ أجنبي من وجهة نظر تبني قيم المهنية والمصداقية والعدل والمساواة والحرية.
وأخيراً وليس آخراً، الدكتور سعيد مصرَ على أن جوهر الأزمة اقتصادي وأننا نحن، العاملون بالإندبندنت، ندلّس ونقود ”ميليشيا إلكترونية“ هدفها تسييس الأزمة بتصويرها على أنها هجمة من الفلول على الصحافة الحرة.
حسناً، وبغض النظر عن طرفة الميليشيا التي يصف بها العالم الدكتور عبد المنعم سعيد حفنة من الصحفيين الأفراد، فإن سؤالنا هو: لماذا يتصادف أن تطوير المصري اليوم يقوم على إقصاء كل ما هو جديد وشاب ومهني ومستقل وعلى إدماج كل ما هو قديم وغير مستقل وغير مهني؟
إنها حقاً لصدفة أن يؤدي الإنقاذ المالي لمؤسسة حملت راية الصحافة المستقلة وحدها زمناً طويلاً في مصر إلى تسليمها بشكل متزايد للفلول وتحويلها من مشروع مهني واعد إلى بوق لأنصار النظام القديم والدولة القديمة.
وفي كل الأحوال، فإن كان الدكتور سعيد غاضباً من وصفه بالفلول، فليعطنا بعضاً من خبرته العلمية والصحفية ويحل لنا مشكلة بسيطة: بماذا يمكن أن نسمي رجلاً كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل وكان على رأس الهيكل الإداري للصحيفة الحكومية الأهم في عهد المخلوع؟ بماذا يمكننا أن نسمي من كان يوظّف علمه لخدمة ديكتاتورية غاشمة قاسى من وطأتها ملايين المصريين؟
[كانا كاتبا المقال لينا عطا الله وتامر وجيه قد أرسلا هذا الرد للجريدة لكنها رفضت نشره.]