Quantcast
Channel: Jadaliyya Ezine
Viewing all articles
Browse latest Browse all 5217

ديوان النثر العربي لأدونيس في أربعة أجزاء

$
0
0


أمثلة في التحرّر من القواعد

يضيء العنوان الذي يستخدمه أدونيس لكتابه الجديد «ديوان النثر العربي»، الصادر في أربعة أجزاء عن دار بدايات، سوريا (2012)، آراء سابقة طرحها وتبناها الشاعر في كتاباته النظرية وحواراته ومقالاته ومشاريعه الثقافية بدءاً من مجلة «شعر» مروراً بـ «مواقف» وانتهاء بمجلة «الآخر» التي أُطلقت حديثاً.  وهذه الآراء تتعلق  بطبيعة اللغة الشعرية، وبمرجعية تجربة الحداثة في الشعر العربي، وبأفق التجريب الذي تندرج فيه  هذه التجربة.

فالعودة إلى النثر الفني، وقراءته من جديد بذائقة جديدة، ووضع مختارات في أربعة مجلدات تحت عنوان «ديوان» إنما يشكك بوضع هذه الكتابات ذات الطابع الفني المختلف تحت عنوان «نثر»، الذي ليس كافياً للتعبير عن المخزون الفني للمُنجز النثري العربي.

إن الكتاب، بمجلداته الأربعة، محاولة رائدة لكشف ما ظلّ محجوباً لفترة طويلة بسبب طبيعة القراءة السائدة والموروثة، فالقراءة المغايرة التي قام بها أدونيس لنصوص التراث في ضوء الحداثة، وانطلاقاً من اعتقاده بأن الشاعر الحديث «تموّج في ماء التراث»، وهو ما يتقاطع مع ما ذهب إليه إليوت في مقالته الشهيرة «التراث والموهبة والفردية»، تعاود طرح الأسئلة على الأسباب التي أدت إلى ولادة الشعر العربي الحديث، خاصة بشقه الحداثي، الذي أبدع لغة جديدة، مغايرة للتراث الشعري العربي وامتداد هيمنته على التجارب الحديثة حتى وقت قريب، وتبيّن أن الحداثة الشعرية، ليست مستوردة، بقدر ما هي تفجّر داخلي، قد تلعب فيه المؤثرات دوراً، ولكنها ليست إلا عنصراً داخليّاً مُحوَّلاً في تجربة كلِّ شاعر وناثر.

إن أيّ تقويم لتجربة الحداثة، وللغة الأدبية الإبداعية الحداثية، في السياق العربي، يجب أن ينطلق من قراءة جديدة للتراث كي يكتسب مشروعية، وكي يكون مقنعاً. هكذا، إن قراءة  أدونيس للنثر العربي، والتي يعدّها غير كافية، كما يذكر في المقدمة، نظراً لغنى وعظمة هذا التراث، يجب أن ترافقها قراءات أخرى، من أجل تعميق  النظرة إلى التراث وإعادة اكتساب اللغة عبر تمثّلها في تجاربها المتنوعة وفي سياقاتها وآفاق أزمنتها. ينطوي هذا على دعوة ضمنية لكل شاعر وكاتب أن يقرأ التاريخ الإبداعي للغة العربية لكي تنبض هذه اللغة في أبهى استخداماتها داخل لغته الخاصة التحويلية والتي يبني بها عالمه الفني في أفق الاختلاف والتغاير. وقد سبق لأدونيس أن كرّر أكثر من مرة أن الشاعر الحديث لا يمكن أن يبدع بلغته إذا لم يطّلع على تاريخها الجمالي وطرق استخدامها لدى كتّابها المختلفين على مرّ العصور.

ينطلق أدونيس في اختياره لمادة الديوان من قراءة متأنية تزلزل الصروح التي شيّدتها القراءات والتقويمات السابقة للنثر العربي، فالبعد الفني موجود ربما في جملة أو مقطع أو سطر أو عبارة. والمعيار هو القدرة على الإضاءة والكشف، العمق والنظرة المختلفة إلى الأشياء والعالم. فما هو فنيّ وحداثي كامن لدى كتاب اعتُبروا ثانويين في زمنهم كما يوجد لدى عمالقة كالجاحظ وأبي حيّان التوحيدي، وهو حاضر في النصوص الدينية العادية وأمثال العرب كما هو موجود في النصوص الصوفية لابن عربي والنفّري والحلاج. وإذا كانت الكتابة الصوفية، كما تتجلى لدى النّفري خاصة، تعكس أسلوباً فريداً مخالفاً لما هو سائد في زمنه، فإنّ ما هو ضائع في بطون الكتب والمراجع والمخطوطات من عبارات وجمل ومقاطع قد يعكس تكثيفاً هائلاً ومضموناً مغايراً يدرجه في نسق الكتابة المُلهمة ذات الطابع الاختلافي.

إن من يقرأ ديوان النثر العربي يشعر أنه أمام مرجع يحوي بين أغلفته نصوصاً ذات هويّات متغايرة تثير تساؤلات حول طبيعة الكتابات المنتظمة في هويّات شكلية معترف بها سواء في الشعر أو النثر. ففي الجزء الثالث والرابع، والذي يغطّي التصوّف العربي، نقرأ نصوصاً تشي بانحلال الأجناس الأدبية إذ يتجاور الحوار المسرحي مع الوصف القصصي مع المعلومة ومع الروح الشعرية مما يجعل النصّ أكثر حيّوية في التعبير عن ذات الصوفيّ في حيرته وتشرده وذوبانه وضياعه وبحثه. 
 

ثمه نصوص قصصيّة قائمة بذاتها كقصة «عروة وعفراء»، وقصص خيالية يرويها متصوّفون في الجزء الثاني والثالث، وحوارات تعكس حسّ الفكاهة لدى أجدادنا، وهذا غائب في أدبنا الحديث. كما نرى كيف أن الحدود مفتوحة بين النثر والشعر ولا قواعد تُملي على الذات الإبداعية ما يجب أن تقوم به لكي يُصنّف إبداعاً. هكذا، إن «ديوان النثر العربي» محاولة لكسر عمود أيّة مرجعيّة كما لو أنّ نصوصه المُختارة تقول لنا إن أجدادنا الكتاب والشعراء الكبار يقدمون لنا أمثلة في التحرّر من المسبّقات والمرجعيات والقواعد ويوسّعون أفق الكتابة في أفق المغامرة والتقصّي.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 5217

Trending Articles